الجمهور: أنه إنما ولي ذلك بعد قتل جالوت والله أعلم. وروى ابن عساكر عن سعيد بن عبد العزيز: أن قتله جالوت كان عند قصر أم حكيم وأن النهر الذي هناك هو المذكور في الآية فالله أعلم. وقال تعالى: (ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير) [سبأ: 11] وقال تعالى:
(وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين. وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون) [الأنبياء: 79]. أعانه الله على عمل الدروع من الحديد ليحصن المقاتلة من الأعداء وأرشده إلى صنعتها وكيفيتها فقال: (وقدر في السرد) أي لا تدق المسمار فيفلق ولا تغلظه فيفصم قاله مجاهد وقتادة والحكم وعكرمة.
قال الحسن البصري وقتادة والأعمش: كان الله قد ألان له الحديد حتى كان يفتله بيده، لا يحتاج إلى نار ولا مطرقة. قال قتادة فكان أول من عمل الدروع من زرد، وإنما كانت قبل ذلك من صفائح، قال ابن شوذب: كان يعمل كل يوم درعا يبيعها بستة آلاف درهم وقد ثبت في الحديث: " أن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وأن نبي الله داود كان يأكل من كسب يده " (1) وقال تعالى: (واذكر عبدنا داود ذا الأيد أنه أواب. انا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والاشراق والطير محشورة كل له أواب وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب) [ص: 17] قال ابن عباس ومجاهد الأيد القوة في الطاعة، يعني: ذا قوة في العبادة، والعمل الصالح قال قتادة:
أعطي قوة في العبادة وفقها في الاسلام، قال: وقد ذكرنا لنا: أنه كان يقوم الليل ويصوم نصف الدهر. وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أحب الصلاة إلى الله صلاة داود وأحب الصيام إلى الله صيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وكان يصوم يوما ويفطر يوما ولا يفر إذا لاقى " (2). وقوله: " إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والاشراق والطير محشورة كل له أواب) [ص: 18 - 19] كما قال: (يا جبال أوبي معه والطير) [سبأ: 10] أي سبحي معه. قاله ابن عباس ومجاهد وغير واحد في تفسير هذه الآية (إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والاشراق) أي عند آخر النهار وأوله وذلك أنه كان الله تعالى قد وهبه من الصوت العظيم ما لم يعطه أحدا بحيث أنه كان إذا ترنم بقراءة كتابه يقف الطير في الهواء يرجع بترجيعه ويسبح بتسبيحه وكذلك الجبال تجيبه وتسبح معه كلما سبح بكرة وعشيا