أمي وحملتني كأثقل ما تحمل النساء ثم رأت في منامها أن الذي في بطنها نور [قالت] فجعلت اتبع بصري النور وهو يسبق بصري حتى أضاءت لي مشارق الأرض ومغاربها ثم إنها ولدتني فنشأت فلما نشأت بغضت إلي الأوثان والشعر فكنت مسترضعا في بني سعد بن بكر فبينا أنا ذات يوم منتبذا من أهلي مع أتراب من الصبيان إذ أتانا ثلاثة رهط معهم طست من ذهب مملوء ثلجا فأخذوني من بين أصحابي فخرج أصحابي هرابا حتى انتهوا إلى شفير الوادي ثم أقبلوا على الرهط فقالوا ما أربكم إلى هذا الغلام فإنه ليس له أب وما يرد عليكم قتله؟ فلما رأى الصبيان الرهط لا يردون جوابا انطلقوا مسرعين إلى الحي يؤذنونهم بي ويستصرخونهم على القوم فعمد أحدهم فأضجعني على الأرض إضجاعا لطيفا ثم شق ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي فأنا أنظر إليه لم أجد لذلك مسا ثم أخرج أحشاء بطني فغسلها بالثلج فأنعم غسلها ثم أخرج قلبي فصدعه ثم أخرج منه مضغة سوداء فرمى بها قال بيده يمنة منه كأنه يتناول شيئا فإذا [أنا] بخاتم في يده من نور يحار الناظرون دونه فختم به قلبي فامتلأ نورا وذلك نور النبوة والحكمة ثم أعاده مكانه فوجدت برد ذلك الخاتم في قلبي دهرا، ثم قال الثالث لصاحبه تنح فتنحى عني فأمر يده ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي فالتأم ذلك الشق بإذن الله تعالى ثم أخذ بيدي فأنهضني إنهاضا لطيفا ثم قال للأول الذي شق بطني زنه بعشرة من أمته فوزنوني بهم فرجحتهم ثم قال زنه بمائة من أمته فوزنوني بهم فرجحتهم ثم قال زنه بألف من أمته فوزنوني بهم فرجحتهم فقال دعوه فلو وزنته بأمته كلهم لرجح بهم.
(٤٦٣)