نظر فإذا العجوز وابنها أقرب الناس إليه فدعا ابنها فأجابه وما تكلم قبل ذلك قط ثم نزل عن عاتق أمه يمشي على قدميه سويتين وما وطئ الأرض قط فلما وقف بين يدي جرجيس قال له ادع لي هذه الأصنام وهي على منابر من ذهب واحد وسبعون صنما وهم يعبدون الشمس والقمر معها فدعاها فأقبلت تتدحرج إليه فلما انتهت إليه ركض برجله الأرض فخسف بها وبمنابرها فقال له الملك يا جرجيس خدعتني وأهلكت أصنامي فقال له فعلت ذلك عمدا لتعتبر وتعلم أنها لو كانت آلهة لامتنعت مني.
فلما قال هذا قالت امرأة الملك وأظهرت إسلامها وعددت عليهم أفعال جرجيس وقالت ما تنتظرون من هذا الرجل إلا دعوة فتهلكون كما هلكت أصنامكم فقال الملك ما أسرع ما أضلك هذا الساحر.
ثم أمر فعلقت على خشبة ثم مشط لحمها بمشاط الحديد فلما آلمها العذاب قالت لجرجيس ادع الله أن يخفف عني الألم فقال انظري فوقك فنظرت فضحكت فقال لها الملك ما يضحكك قالت أرى على رأسي ملكين معهما تاج من حلي الجنة ينتظرون خروج روحي ليزيناني به ويصعدان بها إلى الجنة.
فلما ماتت أقبل جرجيس على الدعاء وقال اللهم أكرمتني بهذا البلاء لتعطيني فضل منازل الشهداء وهذا آخر أيامي فأسألك أن تنزل بهؤلاء المنكرين من سطواتك وعقوبتك مالا قبل لهم به فأمطر الله عليهم النار فأحرقتهم فلما احترقوا بحرها عمدوا إليه فضربوه بالسيوف فقتلوه وهي القتلة الرابعة فلما احترقت المدينة بجميع ما فيها رفعت من الأرض وجعل عاليها سافلها فلبثت زمانا يخرج من تحتها دخان منتن وكان جميع من آمن به وقتل معه أربعة وثلاثين ألفا وامرأة الملك.