إقدامه على هذا القول السخيف فإن أهل الأرض لا يبلغون جميعهم شبابهم وشيوخهم وصبيانهم ونساؤهم هذا العدد فكيف أن يكونوا أبناء خمس وعشرين سنة فياليت شعري كم يكون غيرهم ممن ليس من أسنانهم وكم تكون الرعية وأراب الحرف والفلاحة وغير ذلك وإنما الجند بعض أهل البلاد وإن كان الحاصل من اليمن قد قل في زماننا فإن رقعة أرضه لم تصغر وهي لا تسع هذا العدد قياما كل واحد إلى جانب الآخر.
ثم إنهم قالوا أنفقت على كوة بيتها التي تدخل الشمس منها فتسجد لها ثلاثمائة ألف أوقية من الذهب وقالوا غير ذلك وذكروا من أمر عرشها ما يناسب كثرة جيشها فلا نطول بذكره. وقد تواطؤا على الكذب والتلاعب بعقول الجهال واستهانوا بما يلحقهم من استجهال العقلاء لهم وإنما ذكرنا هذا على قبحه ليقف من كان يصدق به عليه فينتهي إلى الحق.
وأما سبب مجيئها إلى سليمان وإسلامها فإنه طلب الهدهد فلم يره وإنما طلبه لأن الهدهد يرى الماء من تحت الأرض فيعلم هل في تلك الأرض ماء أم لا وهل هو قريب أم بعيد فبينما سليمان في بعض مغازيه إذ احتاج إلى الماء فلم يعلم أحد ممن معه بعده فطلب الهدهد ليسأله عن ذلك فلم يره. وقيل بل الشمس إلى سليمان فنظر ليرى من أين نزلت لان الطير كانت تظله فرأى موضع الهدهد فارغا فقال (لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين).