يمم الشهيد القاضي التستري المرعشي الهند أيام السلطان أكبر شاه " المغولي " فأعجبه فضله، ولباقته، ولياقته، وعلمه، فقلده القضاء، وجعله قاضي القضاة، وقبله السيد وشرط أن يحكم فيه بمؤدى اجتهاده، غير أنه لا يخرج فيه عن فقه المذاهب الأربعة، فقبل السلطان منه ذلك، فكان يقضي ويفتي مطبقا له في كل قضية بأحد المذاهب الأربعة، غير أنه كان مؤدى اجتهاده، لأنه لم يكن ممن يرى انسداد باب الاجتهاد، وكان هو من أعاظم المجتهدين ممن منحوا النظر وملكة الاستنباط، وإنما كان يتحرى تطبيق حكمه بأحد المذاهب حذرا من شق العصا في ظروفه المعاصرة، فاستقر له الأمر فطفق يقضي ويحكم، وينقض ويبرم، حتى قضى السلطان نحبه، وخلفه ابنه السلطان جهانگيز شاه (1) فسعى الحاسدون والوشاة إليه في أمر السيد المترجم بعدم التزامه بأحد المذاهب، فردهم السلطان بأنه شرط ذلك علينا يوم تقلد القضاء، ولا يثبت بهذا تشيعه فالتمسوا الحيلة في إثبات تشيعه.
فقرر الوشاة إرسال أحد أتباعهم في أن يتتلمذ عنده ويظهر أمره الخفي، فالتزمه مدة حتى وقف على كتابه " مجالس المؤمنين " وأخذه من أستاذه بإلحاح حتى استنسخه وعرضه على أصحابه، ووشوا به إلى السلطان، فلم يزل الحساد والوشاة والفتانون ينحتون له كل يوم ما يشين سمعته عند السلطان حتى تمكنوا من إثارة غضبه وأثبتوا عنده استحقاقه الحد كذبا وزورا، وأصدروا الحكم عليه بأن يجلد بالسياط بقدر محدود، ففوض ذلك إليهم، فبادر علماء السوء إلى ذلك حتى قضى المترجم السيد تحت السياط شهيدا على التشيع. في أكبر آباد عاصمة ملكه.
وقيل: إن زبانية الحقد والسوء قتلوه في الطريق، إذ جردوه عن ثيابه وجلدوه بجرائد شائكة فتقطعت أعضاؤه وتناثرت به أشلاء النبوة، وأريقت دماؤها، فلقي جده مضمخا بدمه.