وبعد موته رآه بعض أصحابه في المنام، فقال له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، فقال: بأي الأعمال؟ فقال: بقولي من مرثية ولدي الصغير:
جاورت أعدائي وجاور ربه * شتان بين جواره وجواري وله شعر أدق من دين الفاسق، وأرق من دمع العاشق، منها:
لقد شرف الرحمن قدرك في الورى * كما في الليالي شرفت ليلة القدر وإنا لفي الدنيا كركب سفينة * نظن وقوفا والزمان بنا يجري وله الرائية الرائعة المشهورة في رثاء ولده، وقد مات صغيرا، هي غاية في الحسن والجزالة، وفخامة المعنى، وجودة السرد، والاشتمال على المعاني المتنوعة، وهي تربو على الثمانين بيتا، اقتطفت منها شذرا، مطلعها:
حكم المنية في البرية جاري * ما هذه الدنيا بدار قرار بينا يرى الإنسان فيها مخبرا * حتى يرى خبرا من الأخبار طبعت على كدر وأنت تريدها * صفوا من الأقدار والأكدار ومكلف الأيام ضد طباعها * متطلب في الماء جذوة نار وإذا رجوت المستحيل فإنما * تبني الرجاء على شفير هار فالعيش نوم والمنية يقظة * والمرء بينهما خيال سار فاقضوا مآربكم عجالا إنما * أعماركم سفر من الأسفار إلى أن قال:
يا كوكبا ما كان أقصر عمره * وكذاك عمر كواكب الأسحار وهلال أيام مضى لم يستدر * بدرا ولم يمهل لوقت سرار عجل الخسوف عليه قبل أوانه * فمحاه قبل مظنة الإبدار واستل من أترابه ولداته * كالمقلة استلت من الأشفار إلى أن قال:
أبكيه ثم أقول معتذرا له * وفقت حين تركت ألأم دار