وأجاب السيد المرتضى عن هذا الخبر الأخير أولا بأنه من أخبار الآحاد، ثم قال: ومن أجود ما قيل في تأويله أن الهاء في قوله " لقتله " راجع إلى المطلع لا المطلع عليه، كأنه أراد أنه إذا اطلع على ما في قلبه وعلم موافقة باطنه لظاهره اشتدت محبته له وتمسك بمودته ونصرته إلى أن يقتله ذلك، كما يقولون فلان يهوي فلانا ويحبه حتى أنه قد قتله حبه (1).
وفيه أن هذا التأويل يأباه قول علي عليه السلام لأبي ذر: لو حدثك سلمان بما يعلم لقلت رحم الله قاتل سلمان، وكذا قول النبي صلى الله عليه وآله لسلمان: لو عرض علمك على مقداد لكفر، ولمقداد يا مقداد لو عرض علمك على سلمان لكفر، وكذا استشهاد النبي صلى الله عليه وآله بمؤاخاة النبي بينهما. وقوله " فما ظنك بسائر الخلق ".
والظاهر أنه لا حاجة إلى التأويل، بل المقصود في هذه الأخبار ظاهر كالشمس في رائعة النهار، وهو أن هذين الجليلين مع مؤاخاة النبي صلى الله عليه وآله بينهما وغاية جلالتهما وعلو رتبتهما لو اطلع أحدهما على ما في قلب الآخر وما يصدر منه من الأمور العجيبة والافعال الغريبة لما احتمل ذلك بل لكفره وحكم بقتله، وينادي بذلك قوله عليه السلام " فما ظنك بسائر الخلق " أي: من لم يبلغ درجتهم ولم يصل إلى رتبتهم.
وهلا ترى إلى أبي ذر لما وقف على شئ نزر من كرامات سلمان كيف تركه وخرج من عنده متعجبا مذعورا. ومن المعلوم أنه لو اطلع على أكثر من ذلك لازداد تعجبه وذعره، وهكذا إلى أن يصل إلى حد لا يحتمله ولا يدركه عقله، فيحكم بكفره ويأمر بقتله. والى هذا أشار سيد الساجدين عليه السلام بقوله:
اني لأكتم من علمي جواهره * كيلا يراه ذو جهل فيفتتنا وقد تقدم في هذا أبو حسن * إلى الحسين وأوصى قبله الحسنا