بعض المشايخ ورأيته بخط بعضهم أنه ترافع إليه رجلان، فحكم لأحدهما على الآخر، فغضب المحكوم عليه، وذهب إلى قاضي صيدا واسمه معروف، وكان الشيخ في تلك الأيام مشغولا بتأليف شرح اللمعة، وكل يوم يكتب منه كراسا غالبا، ويظهر من نسخة الأصل أنه ألفه في ستة أشهر وستة أيام، لأنه كتب على ظاهر النسخة تاريخ ابتداء التأليف.
فأرسل القاضي إلى جبع من يطلبه، وكان مقيما في كرم له مدة منفردا عن البلاد متفرعا للتأليف، فقال له أهل البلد: قد سافر عنا مذ مدة، فخطر ببال الشيخ أن يسافر إلى الحج، وكان قد حج مرارا لكنه قصد الاختفاء، فسافر في محمل مغطى، وكتب قاضي صيدا إلى سلطان الروم أنه قد وجد ببلاد الشام رجل مبدع خارج عن المذاهب الأربعة.
فأرسل السلطان رجلا في طلب الشيخ وقال له: اتيني به حيا حتى أجمع بينه وبين علماء بلادي، فيبحثوا معه ويطلعوا على مذهبه ويخبروني، فأحكم عليه بما يقتضيه مذهبي، فجاء الرجل فأخبر أن الشيخ توجه إلى مكة، فذهب في طلبه، فاجتمع به في طريق مكة، فقال له: تكون معي حتى نحج بيت الله ثم افعل ما تريد، فرضي بذلك.
فلما فرغ من الحج سافر معه إلى بلاد الروم، فلما وصل إليها جاء رجل فسأله عن الشيخ، فقال: هذا رجل من علماء الإمامية أريد أن أوصله إلى السلطان، فقال:
أو ما تخاف أن يخبر السلطان بأنك قد قصرت في خدمته وآذيته؟ وله هناك أصحاب يساعدونه، فيكون سببا لهلاكك، بل الرأي أن تقتله وتأخذ رأسه إلى السلطان.
فقتله في مكان من ساحل البحر، وكان هناك جماعة من التركمان، فرأوا في تلك الليلة أنوار تنزل من السماء وتصعد، فدفنوه هناك وبنوا عليه قبة. وأخذ الرجل رأسه إلى السلطان فأنكر عليه، وقال: أمرتك أن تأتيني به حيا فقتلته، وسعى السيد عبد الرحيم العباسي في قتل ذلك الرجل فقتله السلطان (1).