لا يجب عليه أن يأكل كل سكر، وهذا بخلاف من ترك أكل رمانة لحموضتها، فإنه يجب عليه أن يترك كل رمانة حامضة.
والمختار هو القول الأول لأنه إذا قال الشارع: حرمت الخمر، لأنه مسكر، ولم يرد التعبد بإثبات التحريم بالمسكر في غير الخمر، فالقضاء بالتحريم في غير الخمر كالنبيذ، إما أن يكون ذلك لان اللفظ اقتضى بعمومه تحريم كل مسكر، وأن قوله:
حرمت الخمر لأنه مسكر، نازل منزلة قوله: حرمت كل مسكر، كما قاله النظام ومن قال بمقالته، وإما لوجود العلة في غير الخمر لعدم إمكان قسم ثالث.
فإن كان الأول، فهو ممتنع من حيث إن قوله: حرمت الخمر لاسكاره، لا دلالة له من جهة اللغة على تحريم كل مسكر، كدلالة قوله: حرمت كل مسكر، ولهذا فإنه لو قال: أعتقت عبيدي السودان، عتق كل عبد أسود له، ولو قال: أعتقت سالما لسواده، فإنه لا يعتق كل عبد له أسود، وإن كان أشد سوادا من سالم ، وكذلك إذا قال لوكيله: بع سالما لسوء خلقه، لم يكن له التصرف في غيره من العبيد بالبيع، وإن كان أسوأ خلقا من سالم.
وإن كان الثاني فهو ممتنع لوجهين:
الأول أنه لو كان وجود ما نص على عليته كافيا في إثبات الحكم أينما وجدت العلة دون التعبد بالقياس، للزم من قوله: أعتقت سالما لسواده، عتق غانم، إذا كان مشاركا له في السواد، وهو ممتنع.
الثاني أنه من الجائز أن يكون ما وقع التنصيص، عليه هو عموم الاسكار، ومن الجائز أن يكون خصوص إسكار الخمر، لما علم الله فيه من المفسدة الخاصة به، التي لا وجود لها في غير الخمر. وإذا احتمل واحتمل فالتعدية به تكون ممتنعة، إلا أن يرد التعبد بالتعدية.
فإن قيل: لم قلتم إن اللفظ لا يقتضي بعمومه تحريم كل مسكر، وقوله:
أعتقت عبدي سالما لسواده، دال على عتق غانم أيضا، إذا كان أسود ولهذا فإن أهل اللسان وكل عاقل يناقضه في ذلك عند عدم إعتاقه، ويقول له: فغانم أيضا أسود، فلم خصصت سالما بالعتق؟