وما ذكروه من المعارضة، أما الآية الأولى، فإنما تفيد أن لو لم يكن القياس مما عرف التعبد به من الله تعالى ورسوله، وعند ذلك فيتوقف كون العمل بالقياس تقدما بين يدي الله ورسوله على كون الحكم به غير مستفاد من الله ورسوله، وذلك متوقف على كون الحكم به تقدما بين يدي الله ورسوله، فلا يكون حجة.
وأما الآية الثانية والثالثة فجوابهما من ثلاثة أوجه:
الأول: أنا نقول بموجب الآيتين، وذلك لأنا إذا حكمنا بمقتضى القياس عند ظننا به، فحكمنا به يكون معلوم الوجوب لنا بالاجماع، لا أنه غير معلوم.
الثاني: أنه يجب حمل الآيتين على النهي عن القول بما ليس بمعلوم على ما تعبدنا فيه بالعلم، جمعا بينهما، وبين ما ذكرناه من الأدلة.
الثالث: أن الآيتين حجة على الخصوم في القول بإبطال القياس، إذا هو غير معلوم لهم لكون المسألة غير علمية، فكانت مشتركة الدلالة.
وبمثل هذه الأجوبة يكون الجواب عن قوله تعالى: * (وإن الظن لا يغني من الحق شيئا) * (يونس: 36) وقوله: * (إن بعض الظن إثم) * (الحجرات: 12).
وأما قوله تعالى: * (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) * (المائدة: 49) فنحن نقول بموجبه، فإن من حكم بما هو مستنبط من المنزل، فقد حكم بالمنزل، كيف وأن ذلك خطاب مع الرسول، ولا يلزم من امتناع ذلك في حق الرسول، لامكان تعرفه أحكام الوقائع بالوحي، امتناع ذلك في حق غيره.
وقوله تعالى: * (وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله) * (الشورى: 10) وقوله: * (فردوه إلى الله والرسول) * (النساء: 59) غير مانع من القياس، لان العمل بالمستنبط من قول الله وقول الرسول حكم من الله ورد إليه وإلى الرسول.
وأما من قال بإبطال القياس، فلم يعمل بقول الله وقول الرسول، ولا بما استنبط منهما، فكان ذلك حجة عليه لا له.
وقوله تعالى: * (ما فرطنا في الكتاب من شئ) * (الانعام: 38)