قلنا: إنما لم ينكروا ذلك لان المعرفة الواجبة كانت حاصلة لهم، وهي المعرفة بالدليل من جهة الجملة، لا من جهة التفصيل.
قولهم (إن وجوب النظر يلزم منه وجوب الجهل بالله تعالى) إنما يلزم ذلك أن لو كان الجهل مقدورا للعبد، وهو غير مسلم.
قولهم (يلزم منه الدور) لا نسلم ذلك، فإن الواجب الشرعي عندنا غير متوقف على النظر، كما سبق في مسألة شكر المنعم.
قولهم (إن النظر مظنة الوقوع في الشبهات والتردي في الضلالات) قلنا: فاعتقاد من يقلده إما أن يكون عن تقليد، أو نظر، ضرورة امتناع كونه ضروريا:
فإن كان الأول، فالكلام فيمن قلده كالكلام فيه، وهو تسلسل ممتنع، وإن كان الثاني فالمحذور اللازم من النظر لازم في التقليد مع زيادة، وهو احتمال كذب من قلده فيما أخبره به، بخلاف الناظر مع نفسه، فإنه لا يكابر نفسه فيما أدى إليه نظره.
قولهم إن التقليد عليه الأكثر والسواد الأعظم.
قلنا: ذلك لا يدل على أنه أقرب إلى السلامة، لان التقليد في العقائد المضلة أكثر من الصحيحة، على ما قال تعالى * (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) * (الانعام: 116) وقال تعالى * (وقليل ما هم) * (ص: 24) وقال عليه السلام تفترق أمتي ثلاثا وسبعين فرقة:
واحدة ناجية، والباقي في النار وإنما كان ذلك، لان أدلة الحق دقيقة غامضة، لا يطلع عليها سوى أصحاب الأذهان الصافية والعقول الراجحة، مع المبالغة في الجد والاجتهاد، وذلك مما يندر ويقل وقوعه.