حتى يأتي وقتها. هذا ما لا خلاف فيه. فصح أن الفرض المذكور إنما هو بعد الخلق وبعد البلوغ، وبعد انتهاء الشرع إليه، وبعد دخول الوقت: وبهذا تتألف الاخبار كلها، وبالله تعالى التوفيق.
برهان ذلك: أنه لم يعص قط أحد من المسلمين بتركه الخمسين صلاة، ولو وجبت وتركها تارك لكان عاصيا لله تعالى، فصح أنه يلزمنا إلا ما بلغنا من الدين، وأما من بلغ إليه خبر غير صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم وصححه له متأول أو جاهل أو فاسق لم يعلم هو بفسقه، فهذا هو مبلغ، اجتهاد هذا الانسان، ولم يكلفه الله تعالى أكثر مما في وسعه ولا ما لم يبلغه فهو طن علم بما بلغه من ذلك الباطل فمعذور بجهله لا إثم عليه، لأنه لم يتجانف لاثم، والأعمال بالنيات، فهو مجتهد مأجور مرة في قصده بنيته إلى الخير، وإلى طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فلو خالف ما بلغه من ذلك فإنما عليه إثم المستسهل، بخلاف الرسول صلى الله عليه وسلم، إما بعلمه فقط فهو فاسق، وإما بنيته فهو كافر، وبالله تعالى التوفيق.
الباب السابع في أصول الاحكام في الديانة وأقسام المعارف وهل على النافي دليل أو لا؟
قال علي: قد ذكرنا فيما خلا من هذا الكتاب وفي غيره من كتبنا: أنه لا طريق إلى العلم أصلا إلا من وجهين: أحدهما ما أوجبته بديهة العقل، وأوائل الحس، والثاني مقدمات راجعة إلى بديهة العقل وأوائل الحس. وقد بينا كل ذلك في غير هذا المكان، فأغنى عن ترداده، وقد بينا أيضا أن بالمقدمات الصحاح الضرورية المذكورة علمنا صحة التوحيد، وصحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وصدقه في كل ما قال، وأن القرآن الذي أتى به هو عهد الله تعالى إلينا، فلما كان فيما ذكر لنا عن ربه تعالى، وجوب أشياء ألزمناها والانتهاء عن أشياء منعنا منها ووعد بالنعيم الأبدي من أطاعه، وبالعذاب الشديد من عصاه، وتيقنا وجوب صدقه في ذلك لزمنا الانقياد لما أمرنا له بالانقياد له، وتيقنا صحة كل ما ذكر لنا ضرورة ولا محيد للنفس عنها بما نقلته الكواف مما أظهر من المعجزات التي لا يقدر عليها إلا