قال علي: ولو كانوا مأمورين باستقبال الكعبة حين نزول الامر من قبل أن يبلغهم لكان من أقدم منهم فصلى إلى الكعبة عامدا قبل أن يبلغهم الامر جائز الصلاة، وهذا باطل، وأما لو أن إنسانا اليوم خفيت عليه دلائل القبلة، فاستدل فأداه استدلاله إلى جهة ما، وقطع بذلك ثم تعمد الصلاة إلى خلاف تلك الجهة، فلما سلم إذا به إلى القبلة فإن صلاته باطلة، وهو بذلك فاسق، لأنه تعمد العمل في صلاته بما ليس عالما أنه أمر به فيها، فقصد العمل بما يرى أنه ليس من صلاته، فقد قصد إفساد صلاته فبطلت بذلك.
قال أبو محمد: وأما من كان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبلغه الناسخ ولا الخالص، فإنه أيضا مأمور بما يعتقد من المنسوخ ومن عموم المخصوص، لان الله تعالى لم يكلفه قط خلاف ذلك، بل افترض عليه خلافا لذلك طاعة أمره تعالى جملة، والمنسوخ من أمره فلا شك، فهو لازم لكل من بلغه بعموم الامر المذكور حتى يبلغه نسخه وبالله تعالى التوفيق.
ومن المحال الممتنع أن يكون الله تعالى يورد على عبده أمرا يأمره به ثم ينهاه عنه ولا يعلمه بنهيه عنه، وهو تعالى قد تكفل لنا بالبيان، قال عز وجل قد تبين الرشد من الغى) فلو ورد أمر الله تعالى ثم نهاه عنه ولم يبلغه نهيه لكان ذلك إضلالا والتباسا، ولكان الرشد غير مبين من الغى: وحاشا لله من هذا يقينا.
وأما من بلغه الناسخ والخاص ثم نسيهما أو تأول فيهما بمبلغ طاقته فهو مأمور بما بلغه من ذلك، لأنه مذ بلغه منهى عما هو عليه، لأنه قد بلغه النهى إلا أنه معذور مأجور مرة، مأجور بقصده الخير، ومعذور ونسيانه، فهذا حكم هذا الباب البرهان الصحيح، وبالله تعالى التوفيق.
فإن احتج بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ فرضت الصلاة ليلة الاسراء:
وفيه قول موسى عليه السلام: كم فرض الله على أمتك؟ قال خمسين صلاة أو نحوه فأخبر النبيان عليهما السلام أن الله تعالى فرض علينا قبل أن يبلغنا خمسين صلاة، قلنا: إنما معنى هذا أنه متى بلغنا الامر لزمنا، وبرهان ذلك: أن ذلك لا يلزم من لم يخلق حتى يخلق، ولا من لم يبلغ حتى يبلغ، ولا من لم يأت عليه وقت الصلاة