الملة التي وضعنا كتابنا هذا في أحكامهم وعبادتهم، اختلافهم في معنى براءة من لم يشعر ولم يحتلم، ولا حاض إن كان امرأة، ولا بلغ خمسة عشر عاما من جميع الأوامر الواردة من الله تعالى ولزومها لمن احتلم وبلغ خمسة عشر عاما مع الاحتلام، أو حاض إن كان امرأة في هذه السن، ولا فرق في العقل بين جواز عدم الامر بالايمان في كلتا الحالتين المذكورتين، وبين جواز وجود الامر به في كلتيهما.
فإن شغب مشغب بتعلم الصبيان الصلاة وضربهم عليها، وأراد بذلك غرور الضعفاء المقلدين، فليعلم أنه لا خلاف عند الحاضرين من خصومنا في أن ذلك على سبيل التدريب وتعليم الخير، لا على سبيل الايجاب لذلك عليهم، وكذلك دعاؤنا إياهم إلى الاسلام. وبرهان ذلك: أننا لا نقتلهم إن ارتدوا حتى يحتلموا، ولا نقتلهم إن قتلوا، ولا نحدهم إن زنوا، ولا يحرم الميراث وإن ارتد قبل بلوغه من موروثه المسلم.
فإن ادعى مدع: أن البهائم متعبدة، واختار اللحاق بأحمد بن حابط والخروج عن إجماع المسلمين، فحسبه مفارقة الاسلام واللحاق بالكفر، وليس هذا مكان محاجة أهل هذا المذهب، وقد بينا ذلك في كتاب الفصل. وإنما قصدنا في كتابنا هذا بيان جمل الاحكام فقط فمن أراد أن يقف على هدم ما ذكرنا من الشغب فليقرأ كتابنا المرسوم بكتاب الفصل إن شاء الله تعالى.
قال أبو محمد: فإذ قد بينا أقسام المعارف جملة، ثم بينا أقسام الأصول التي لا يعرف شئ من الشرائع إلا منها، وأنها أربعة وهي: نص القرآن، ونص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي إنما هو عن الله تعالى مما صح عنه عليه السلام نقل الثقات أو التواتر، وإجماع جميع علماء الأمة، أو دليل منها لا يحتمل إلا وجها واحدا، فلنصف بحول الله وقوته كيف يستعمل المناظران