قال أبو محمد: أترى هؤلاء المقرين على أنفسهم أنهم كانوا لا يسمعون ولا يعقلون، ولو سمعوا أو عقلوا ما دخلوا النار، أكانت صمخ آذانهم ذات آفات مانعة من تأدية الأصوات؟ أو كانوا جاهلين بأمور دنياهم وأحكام حرثهم وغراستهم؟ والقيام على مواشيهم ونفقات أموالهم وإنمائها، وبنيان منازلهم وعمارة بساتينهم، وتدبير متاجرهم وصناعاتهم، وحفظ أموالهم، وطلب الجاه والرياسة؟ كلا والذي عذبهم وأخزاهم وذمهم؟ بل كانوا أعلم بذلك كله، وأشد اهتبالا به، وأشغل نفوسا فيه، وأبصر لنموه وتكثيره وحياطته - من أهل الفضل، المقتصرين من ذلك مما يضيع العيال والجسم بتركه أو ما جاءهم من ذلك على ما لابد منه عفوا، وكان غير شاغل لهم عما هو آكد عليهم، المقبلين على طلب معرفة الحقائق، والوقوف على العلم والعمل، الموصلين إلى معرفة الآخرة والسعادة في دار البقاء في الجنة التي وعدها الله تعالى أولياءه والمبعدين من الهلاك والقرار في دار العذاب في النار التي وعدها الله عز وجل لأعدائه المشتغلين بذلك عما تهافت عليه أهل الجهل والنقصان.
كما ثنا عبد الله بن يوسف بن نامي، عن أحمد بن فتح، عن عبد الوهاب بن عيسى عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن علي، عن مسلم بن الحجاج، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد، وكلاهما عن أسود بن عامر قال: ثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة وثابت البناني: هشام عن أبيه عن عائشة، وثابت عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنتم أعلم بأمر دنياكم في حديث قوله عليه السلام في تلقيح النخل فتركوه فخرج شيصا، ولكن هؤلاء المعذبون أضربوا عن استعمال السمع والبصر، واللمس والذوق الشم، والعقل في الاستدلال على الخالق تعالى، ولم يقرب منه من عقد وقول وعمل وصرفوا كل ذلك في حطام فان، لا يجدي ولا يغني، بل يثقل ويندم، وبالله تعالى التوفيق.
قال علي: ووجدنا في القرآن إلزامنا الطاعة لما أمرنا به ربنا تعالى فيه، ولما