الباب التاسع في تأخير البيان قال علي:
واختلفوا في نوع من أنواع البيان فقالت طائفة: إنما يرد المجمل ثم يرد المفسر، وقال آخرون: لا يردان إلا معا، وقال آخرون: جائز ورود المجمل قبل المفسر، والمفسر قبل المجمل، وورودهما معا، كل ذلك جائز.
قال علي: وبهذا نقول: إلا أنه لا يجوز أن يتأخر البيان عن وقت إيجاب العمل البتة، ولا يجوز أن يؤخره النبي صلى الله عليه وسلم بعد وروده عليه طرفة عين، ولسنا نقول بهذا لان العقل يمنع ذلك، لكن لان النص قد ورد بذلك، وإنما منعنا من تأخير الله البيان عن وقت وجوب العمل لقول الله تعالى: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها وقد علمنا أنه ليس في وسع أحد لان يعمل بما لا يعرف به، وإنما منعنا من تأخير النبي صلى الله عليه وسلم البيان عن ساعة وروده عليه السلام لقول الله تعالى: * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) * فلو أخر عليه السلام البيان عن ساعة وروده عليه لكان عليه السلام في تلك المدة، وإن قلت مستحقا لاسم أنه لم يبلغ، ولو أنه لم يبلغ لكان عاصيا، ولا ينسب هذا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا جاهل، ومن تمادى على نسبة المعصية إليه في طي الشريعة وترك تبليغها فهو كافر بإجماع الأمة.
قال علي: وقد نزلت الصلوات الخمس مفسرة بمكة، ثم جاءت آيات كثيرة مدنيات فيها: أقيموا الصلاة - فقط، فصح بذلك ما ذكرنا من أنه قد ينزل المفسر قبل المجمل، وأما نزول المجمل قبل المفسر فقد نزل ذلك في الصيام وتحريم حشيش مكة ثم جاء تخصيص الإذخر.
قال علي: وأما قولنا بتأخير الله عز وجل البيان ما لم يأت وقت إيجابه تعالى العمل به، فهو منصوص في قوله تعالى: * (لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون) * وقد أنزل الله عز وجل آيات كثيرة فيها: قصة موسى، وقصة عيسى عليهما السلام، وقصة عاد وثمود وإبراهيم عليهم السلام، بعضها قبل بعض، وبعضها بمكة،