فصل هل يوجب خبر الواحد العدل العلم مع العمل أو العمل دون العلم؟
قال أبو محمد: قال أبو سليمان والحسين، عن أبي علي الكرابيسي، والحارث بن أسد المحاسبي وغيرهم، أن خبر الواحد العدل عن مثله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجب العلم والعمل معا، وبهذا نقول: وقد ذكر هذا القول أحمد بن إسحاق المعروف بابن خويز منداد، عن مالك بن أنس. وقال الحنفيون والشافعيون وجمهور المالكيين وجميع المعتزلة والخوارج: إن خبر الواحد لا يوجب العلم، ومعنى هذا عند جميعهم أنه قد يمكن أن يكون كذبا أو موهوما فيه، واتفقوا كلهم في هذا، وسوى بعضهم بين المسند والمرسل.
وقال بعضهم: لمرسل لا يوجب علما ولا عملا، وقد يمكن أن يكون حقا وجعلت المعتزلة والخوارج هذا حجة لهم في ترك العمل به، قالوا: ما جاز أن يكون كذبا أو خطأ فلا يحل الحكم به في دين الله عز وجل، ولا أن يضاف إلى الله تعالى ولا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يسع أحدا أن يدين به، وقال سائر من ذكرنا: إنه يوجب العمل، واحتج كل من ذكرنا بأن هذه صفة كل خبر واحد في جواز الكذب وتعمده وإمكان السهو فيه، وإن لم يتعمد الكذب.
وقال أبو بكر بن كيسان الأصم البصري: لو أن مائة خبر مجموعة قد ثبت أنها كلها صحاح إلا واحدا منها لا يعرف بعينه أيها هو - قال: فإن الواجب التوقف عن جميعها، فكيف وكل خبر منها لا يقطع على أنه حق متيقن، ولا يؤمن فيه الكذب والنسخ والغلط.
قال أبو محمد: أما احتجاج من احتج بأن صفة كل خبر واحد هي أنه يجوز عليه الكذب والوهم فهو كما قالوا، إلا أن يأتي برهان حسي ضروري أو برهان منقول نقلا يوجب العلم من نص ضروري على أن الله تعالى قد برأ بعض الاخبار من ذلك، فيخرج بدليله عن أن يجوز فيه الكذب والوهم، وقد وافقنا المعتزلة - وكل من يخالفنا في هذا المكان - على أن خبر النبي صلى الله عليه وسلم في الشريعة لا يجوز فيه الكذب ولا الوهم لقيام الدليل على ذلك.