بسم الله الرحمن الرحيم كلمة الناشر مما أحفظه عن السيد رشيد رضا رحمه الله أنه كان يقول: لو وفق الله الطبع المغنى في الفقه أو المحلى لابن حزم على ما فيه من شدة على الأئمة فإني أموت وأنا مطمئن على الفقه الاسلامي حفظت ذلك عن صاحب المنار منذ أكثر من ثلاثين سنة، ومن يومها وأنا أقدر ابن حزم وأحترمه وأحبه وأتمنى أن أنشر له بعض آثاره القيمة التي تضئ للمسلم طريقه في دينه ودنياه، وتجعله يسير بالنقد والشدة - أحيانا - لمن سبقه من الفقهاء والأئمة إذا وجدهم عد علموا بأحاديث لم تصح عنده، أو عملوا بآراء تخالف ما صح عنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولعل مرد ذلك النقد وتلك الشدة إلى ما لاحظه ابن حزم رحمه الله من إقبال على التقليد لهؤلاء الفقهاء والأئمة، وإدبار عن طب الهدى من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فأراد رحمه الله أن يخفف الناس من هذا الاقبال، ومن هذا الادبار، وأن يكسب للكتاب والسنة فريقا من الأنصار يعلنون صوتهما إقامة لحجة الله على خلقه.
ولا نتصور أبدا أن ابن حزم كان لا يحترم هؤلاء الأئمة أو لا يحبهم، أو ينكر عليهم فضلهم في علماء الاسلام، فما من أحد من هؤلاء الأئمة إلا كان ينهى عن تقليده ويدعو إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد يكون مرد تلك الشدة في ابن حزم هو نشأته وبيئته وبيته ومنصبه، فقد تولى هو الوزارة كما تولاها والده وهذا الجو له تأثيره في النفس، الا ترى إلى موسى عليه السلام وقد تربى في بيت فرعون - كيف كان شديد البطش قوى البأس، وهو من أنبياء الله المرسلين؟
وسيأتي تفصيل ذلك في ترجمة المؤلف في آخر الكتاب إن شاء الله.
زكريا على يوسف