الفضائل واجتناب الرذائل، وهي السيرة الفاضلة على الحقيقة التي تخيرها لنا واهب النعم، لا إله إلا هو، فلا فضيلة إلا اتباع ما أمر الله عز وجل به، أو حض عليه، ولا رذيلة إلا ارتكاب ما نهى الله تعالى عنه أو نزه منه، وأما الكيس في أمور الدنيا لا يبالي المرء ما وفق في استجلاب حظه فيها، من علو صوت، أو عرض جاه، أو نمو مال، أو نيل لذة من طاعة أو معصية، فليس ذلك عقلا، بل هو سخف وحمق ونقص شديد وسوء اختيار، وقائد إلى الهلاك في دار الخلود.
وقد شهد ربنا تعالى أن متاع الدنيا غرور، وقد علمنا أن تارك الحق ومتبع الغرور سخيف الاختيار، ضعيف العقل، فاسد التمييز وبرهان ذلك أن كل تمييز في إنسان بان به عن البهائم، فهو يشهد أن اختيار الشئ القليل في عدده، الضعيف في منفعته، المشوب بالآلام والمكاره، الفاني بسرعة، على الكثير في عدده العظيم في منفعته، الخالص من الكدر والمضار، الخالد أبدا، حمق شديد وعدم للعقل البتة. ولو أن امرأ خير في دنياه بين سكناه مائة عام في قصر أنيق، واسع ذي بساتين وأنهار ورياض وأشجار، ونواوير وأزهار، وخدم وعبيد وأمن فاش وملك ظاهر، ومال عريض، إلا أن في طريقه إلى ذلك مشي يوم كامل في طريق فيها بعض الحزونة لا كلها، وبين أن يمشي ذلك اليوم في طريق فيها مروج حسنة، وفي خلالها مهالك ومخاوف وظلال طيبة، وفي أثنائها أهوال ومتالف، ثم يفضي عند تمام ذلك اليوم إلى دار ضيقة، ومجلس ضنك ذي نكد وشقاء وخوف وفقر وإقلال، فيسكنها مائة عام، فاختار هذه الدار الحرجة لسرور يوم ممزوج بشوائب البلاء، يلقاه في طريقه نحوها لكان عند كل من سمع خبره ذا آفة شديدة في تمييزه، وفاسد العقل جدا، ظاهر الحمق ردئ الاختيار، مذموما مدحورا ملوما.
وهذه حال من آثر عاجل دنياه على آجل أخراه. فكيف بمن اختار فانيا عن قريب على ما لا يتناهى أبدا. اللهم إلا أن يكون شاكا في منقلبه، متحيرا في مصيره، فتلك أسوأ بل هي التي لا شوى لها، نعوذ بالله من الخذلان، ونسأله التوفيق والعصمة بمنه آمين.