الخالق الأول تعالى، والشاهد لنبيه صلى الله عليه وسلم بها على صحة ما أتى به عنه تعالى، فوجب علينا تفهم القرآن والاخذ بما فيه، فوجدنا فيه التنبيه على صحة ما كنا متوصلين به إلى معرفة الأشياء على ما هي عليه من مدارك العقل والحواس، ولسنا نعني بذلك أننا نصحح بالقرآن شيئا كنا نشك فيه من صحة ما أدركه العقل والحواس، ولو فعلنا ذلك لكنا مبطلين للحقائق، ولسلكنا برهان الدور الذي لا يثبت به شئ أصلا.
وذلك أننا كنا نسأل فيقال لنا: بم عرفتم أن القرآن حق؟ فلا بد أن نقول بمقدمات صحاح يشهد لها العقل والحس، ثم يقال لنا: بماذا عرفتم صحة العقل والحس المصححين لتلك المقدمات؟ فكنا نقول بالقرآن، فهذا استدلال فاسد مبطل للحقائق، ولكنا قلنا: إن في القرآن التنبيه لأهل الجهل والغفلة وحسم شغب أهل العناد، وذلك أن قوما من أهل ملتنا يبطلون حجج العقول ويصححون حجج القرآن فأريناهم أن في القرآن إبطال قولهم، وإفساد مذاهبهم، وأن الله تعالى قد علم أن سيكون في العالم أمثالهم، فأخبرنا بما يبطل به شغبهم، ويزيل شكوكهم، كما قال تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شئ) * فما أمرنا فيه تعالى باستعمال دلائل العقل والحواس قوله تعالى: * (وجعل لكم السمع والابصار والأفئدة قليلا ما تشكرون) * وصدق الله تعالى ما شكره من إبطال دلائل سمعه وبصره وعقله وقال تعالى: * (ألم نجعل له عينين، ولسانا وشفتين، وهديناه النجدين) * . وذم تعالى من لم يستعمل دلائلها، فقال حاكيا عن قوم معذبين، ولاعراضهم عن الاستدلال المؤدي إلى معرفة الحقائق، قال الله تعالى: * (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالانعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون) إلى قوله (سيجزون ما كانوا يعملون) وقال تعالى حاكيا عن مثلهم (وقالوا لو كنا نسمع ونعقل ما كنا في أصحاب السعير) * فصدقهم الله عز وجل في قولهم ذلك فقال تعالى: (فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير) وقال تعالى (فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شئ) فذم تعالى من لم ينتفع بما أعطاه من الحواس والعقل