قال أبو محمد: وهذا تمويه ساقط، لأنه لم يحرم الاقدام على مالك غيرنا بنفس العقل، وإنما حرم ما حرم من ذلك ورود الشرع بتحريمه، ولو كان تحريم الاقدام على ملك المالك مركبا في ضرورة العقل، لما جاز أن يأتي شرع بخلافه كما لا يجوز أن يأتي بشرع، فإن الكل أقل من الجزء، وأن القصير أطول مما هو أطول منه، لان كل شئ رتب الله تعالى في العقل إدراكه على صفة ما بخلاف ما قد رتبه تعالى ممتنعا ومحالا، ورتب الاخبار به كذبا وإفكا، وأخبرنا تعالى أن قوله الحق، ولا سبيل أن يرد الشرع بمحال ولا بكذب. ومن أجاز ذلك خرج عن الاسلام. وقد وجدنا المالك فيما بيننا لملكه قد أمرنا تعالى بأخذه منه كرها فيما لزمه من نفقة زوجه التي هي لعلها أغنى منه وأقدر على المال، وفي أشياء كثيرة من أروش ما أتلف بخطأ أو بغير قصد وبقصد. ووجدناه تعالى قد أجاز ما أنفذه أهل دار الحرب في أموالهم وملكهم إياها بقوله تعالى: * (وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم) * وأجاز كل ما أنفذوه فيها من هبة وبيع، ثم أطلقنا على أخذها منهم اختلاسا وغلبة وعلى كل وجه.
فإن قالوا: كفرهم أباح أموالهم، قيل لهم: نحن نوجدكم الذمي كافرا لا يحل أخذ شئ من ماله حاشا الجزية التي لا تكاد تتجزأ من ماله، وكلاهما كفره واحد، فأين ما ادعته هذه الطائفة المغفلة من أن الاقدام على ملك مالك بغير إذنه حرام محرم في العقل.
فإن قال قائل منهم: تلك الأموال هي ملك الله عز وجل، قيل له: إنما حرمت أنت ملك الله تعالى قياسا على الشاهد بيننا من قبح التعدي على ملك مالك بزعمك فلا تعد إلى ما جعلته أصلا فتبطله.
ويقال له أيضا: وأنفسنا ملك لله عز وجل، وفي منعها الأقوات والتناسل إبطال للنوع الانساني، وفي ذلك إبطال ملك لله عز وجل كثير، وإتلاف مملوكات له كثيرة، وهذا فسخ لأصلك، فيكون الاتلاف على قولك حاظرا مبيحا في حالة واحدة، وهذا لا يعقل.