قال أبو محمد: وهذا الخبر لا حجة لهم فيه، بل هو حجة لنا وبه نقول، لأنه قد يكون مخطئا من لا يوافق الحق، وإن لم يكن مأمورا بالعمل به كإنسان سمى آخر بغير اسمه غير عامد، فهذا مخطئ ولا أمر يلزمه ها هنا، وكمن أنشد بيت شعر فوهم فيه، فهو مخطئ بلا شك، وهذا المجتهد مخطئ بلا شك إذا حكم بخلاف ما ورد به الحكم من عند الله عز وجل، وأدخل في الدين ما ليس منه، وإن كان غير مأمور بالحكم بما لم يبلغه فإنه منهي عن الحكم بما ظن أنه حق، وهو غير حق، وأما إذا بلغه فإنه مأمور به وإن نسيه لأنه قد بلغه ولزمه.
فإن قال قائل: لو كان ما قلتم لكان الدين لازما لبعض الناس لا لكلهم، قلنا وبالله التوفيق: ليس كذلك بل الدين لازم للجن والانس إذا بلغهم، نعم ولكل من لم يخلق بعد إذا خلق وبلغه وبلغ حد التكليف لا قبل ذلك، وأنتم لا تخالفوننا في الشريعة أنها لا تلزم من لم يخلق قبل أن يخلق، ولا من لم يبلغ قبل أن يبلغ.
فإن قالوا: فكيف حال من لم يبلغه الامر، أهو مأمور بما هو عليه من خلاف ما أمره الله تعالى به مما لم يبلغه أم هو مأمور بما أمره الله تعلى به مما لم يبلغه ، ولا سبيل إلى قسم ثالث؟ فإن قلتم: هو مأمور بما أمره الله تعالى به، وإن لم يبلغه فهو قولنا، وإن قلت هو غير مأمور بما أمره الله تعالى به، أو أنه مأمور بما هو عليه من خلاف ما أمر الله تعالى به كان ذلك شغبا بشيعا.
قلنا وبالله التوفيق: لسنا نقول بواحد من هذين الجوابين لكنا نقول: هو غير مأمور في ذلك بشئ أصلا حتى يبلغه، وحاله في ذلك كحال من لم يبلغ حد التكليف حتى يبلغ، فإن قالوا: فكيف حكمه إن خالف ما يرى أنه الحق عامدا فوافق بذلك ما أمر الله تعالى به، قلنا لهم: هذا السؤال لازم لكم ولنا. فأما نحن فنقول وبالله التوفيق، إنه ليس في ذلك مطيعا ولا عاصيا، لكنه مستسهل لمخافة الحق، هام بترك الحق، إلا أنه لم يفعل ذلك بعد. هذه صفته على الحقيقة إلا أنه لم يخالف بفعله ذلك حقا ولا واقع باطلا.
قال علي: أهل هذه الصفة ينقسمون ثلاثة أقسام: فقسم شهدوا ورود الامر من الله تعالى ثم نسخ ولم يشهدوا الناسخ، وليس أحد من هؤلاء موجودا بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، لان النسخ بطل بعد موته عليه السلام