الباب الخامس في الألفاظ الدائرة بين أهل النظر قال أبو محمد: هذا باب خلط فيه كثير ممن تكلم في معانيه، وشبك بين المعاني وأوقع الأسماء على غير مسمياتها، ومزج بين الحق والباطل، فكثر لذلك الشغب والالتباس، وعظمت المضرة وخفيت الحقائق، ونحن إن شاء الله تعالى بحوله وقوته مميزون معنى كل لفظة على حقيقتها، فنقول وبالله تعالى نتأيد:
الحد: هو لفظ وجيز يدل على طبيعة الشئ المخبر عنه كقولك: الجسم هو كل طويل عريض عميق، فإن الطول والعرض والعمق هي طبائع الجسم لو ارتفعت عنه ارتفعت عن الجسمية ضرورة ولم يكن جسما، فكانت هذه العبارة مخبرة عن طبيعة الجسم ومميزة له مما ليس بجسم.
والرسم: هو لفظ وجيز يميز المخبر عنه مما سواه فقط دون أن ينبئ عن طبيعته كقولك: الانسان هو الضحاك، فإنك ميزت الانسان بهذا اللفظ تمييزا صحيحا مما سواه، إلا أنك لم تخبر بطبيعته لأنك لو توهمت الضحك مرتفعا عن الانسان لم تبطل بذلك عنه الانسانية ولامتنع بذلك من الكلام في المعلوم والتصرف في الصناعات ولبقيت سائر طبائعه بحسبها.
قال أبو محمد علي: ولما كان هذان المعنيان متغايرين، كل واحد منهما غير صاحبه، وجب ضرورة أن يعبر عن كل واحد منهما بعبارة غير عبارتنا عن الآخر، ولو عبرنا عنهما عبارة واحدة لكنا قد أوقعنا من يقبل منا في الاشكال ولكنا ظالمين لهم جدا وغير ناصحين لهم، وهذا خلاف ما أخذه الله تعالى على العلماء، إذ يقول الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: ليبينه للناس ولا يكتمونه، ومن لبس الحقائق فقد كتمها.
والعلم: هو تيقن الشئ على ما هو عليه، إما عن برهان ضروري موصل إلى تيقنه كذلك، وإما أول بالحس أو ببديهة العقل، وإما حادث عن أول على ما بينا في كتاب التقريب من أخذ المقدمات الراجعة إلى أول العمل أو الحس، إما من