فصل: فيمن لم يبلغه الامر من الشريعة قال علي بن أحمد: اختلف الناس فيمن لم يبلغه الحكم الوارد من الله تعالى في الشريعة في خاص منها أو في جميعها، فقالت طائفة: كل أحد مأمور منهي ساعة ورود الأمر والنهي، إلا أنه معفو عنه غير مؤاخذ بما لم يبلغه من الأمر والنهي ، وقالت طائفة: إن الله تعالى ليأمر قط بشئ من الدين إلا بعد بلوغ الامر إلى المأمور، وكذلك النهي ولا فرق، وأما قبل انتهاء الامر أو النهي إليه فإنه غير مأمور ولا منهي.
قال علي: وبهذا نقول لقول الله عز وجل: لأنذر كم به ومن بلغ ولقوله لا يكلف الله نفسا الا وسعها ولاخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يسمع به يهودي أو نصراني فلم يؤمن به الا وجبت له النار، حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي، ثنا ابن مفرج، ثنا محمد بن أيوب الرقي، أنبأ أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار، ثنا محمد بن المثنى، ثنا معاذ بن هشام الدستوائي، ثنا أبو علي قتادة عن الأسود بن سريع، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يعرض على الله تبارك وتعالى الأصم الذي لا يسمع شيئا، والأحمق والهرم، ورجل مات في الفترة، فيقول الأصم: رب جاء الاسلام وما أسمع شيئا، ويقول الأحمق:
رب جاء الاسلام وما أعقل شيئا، ويقول الذي مات في الفترة: رب ما أتاني لك من رسول، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل الله تعالى إليهم: ادخلوا النار، فوالذي نفسي بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما.
وبه إلى قتادة عن الحسن البصري، عن أبي رافع عن أبي هريرة بمثله وزاد في آخره: ومن لم يدخلها دخل النار.
فصح كما أوردنا أنه لا نذارة إلا بعد بلوغ الشريعة إلى المنذر، وأنه لا يكلف أحد ما ليس في وسعه، وليس في وسع أحد علم الغيب في أن يعرف شريعة قبل أن تبلغ إليه، فصح يقينا أن من لم تبلغه الشريعة لم يكلفها.
واحتجت الطائفة الأخرى بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر فسماه عليه السلام مخطئا ولا يكون المخطئ إلا من خالف ما أمر به.