في أخراه وهلاكه في معاده.
ومنها فهم يليح لها الحق من قريب، وينير لها في ظلمات المشكلات فترى به الصواب ظاهرا جليا. ومنها جهل يطمس عليها الطرق، ويساوي عندها بين السبل، فتبقى النفس في حيرة تتردد، وفي ريب تتلدد، ويهجم بها على أحد الطرق المجانبة للحق المنكبة عن الصواب تهورا وإقداما أو جبنا أو إحجاما، أو إلفا وسوء اختيار، قال تعالى: * (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) * وقال تعالى:
* (انما يخشى الله من عباده العلماء) *.
ومنها قوة التمييز التي سماها الأوائل المنطق، فجعل لها خالقها بهذه القوة سبيلا إلى فهم خطابه عز وجل، وإلى معرفة الأشياء ما هي عليه، وإلى إمكان التفهم الذي به ترتقي درجة الفهم ويتخلص من ظلمة الجهل، فيها تكون معرفة الحق من الباطل. قال تعالى: (فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب).
ومنها قوة العقل التي تعين النفس المميزة على نصر العدل، وعلى إيثار ما دلت عليه صحة الفهم، وعلى اعتقاد ذلك علما، وعلى إظهار باللسان وحركات الجسم فعلا، وبهذه القوة التي هي العقل تتأيد النفس الموفقة لطاعته على كراهية الحود عن الحق، وعلى رفض ما قاد إليه الجهل والشهوة، والغضب المولد للعصبية، وحمية الجاهلية، فمن اتبع ما أناره له العقل الصحيح نجا وفاز، ومن عاج عنه هلك وربما أهلك قال تعالى: * (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) * . قال أبو محمد علي: أراد بذلك العقل، وأما المضغة المسماة قلبا فهي لكل أحد متذكر، وغير متذكر، ولكن لما لم ينتفع غير العاقل بقلبه صار كمن لا قلب له، قال تعالى، شاهدا لما قلنا: * (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها) وقال بعض السلف الصالح: ترى الرجل لبيبا داهيا فطنا ولا عقل له فالعاقل من أطاع الله عز وجل.
قال أبو محمد علي: هذه كلمة جامعة كافية، لان طاعة الله عز وجل، هي جماع