قبل أن نحتلم، فإن الأمور حينئذ لا حكم لها علينا لا بحظر ولا إباحة، ولا فرق بين كونهما كذلك قبل البلوغ بنصف ساعة وبين كونهما كذلك بعد البلوغ وكلا الامرين في العقول سواء. وما في العقل إيجاب الشرع على من احتلم وسقوطه عمن لم يحتلم. وليس بين الامرين إلا نومة لطيفة، فبطل بهذا ما ادعوه من أن العقول فيها حظر شئ أو إباحته قبل ورود الشرع وموافاة الخطاب من الله عز وجل، ولو كان كذلك للزم غير المحتلم كلزومه المحتلم إذ موجب العقل لا يختلف.
قال علي: ويقال لمن قال: لكل شئ مباح في العقل، إلا الفكر، أليس إقرار المرء بلسانه بالتثليث غير متبع له إنكارا. كفرا من قائله، فإن قال: لا. كفر، وإن قال: نعم. قيل له صدقت، وقد أباح الله تعالى الاعلان به دون اتباع أفكار لمن اضطر وخاف الأذى. وقد أباح الله تعالى عند خوف القتل الكفر الصحيح الذي هو كفر في غير تلك الحال، ولسنا نسألهم عن الكفر الذي هو العقد، إنما نسألهم عن الكفر الذي هو النطق به فقط، لان بعضهم قال: لم يبح الله تعالى قط الكفر، لان الكفر الذي هو العقد، ولا خلاف بين من يعتد به في النطق بالكفر دون اتباع بإنكار ولا حكاية، كفر صحيح، فعن هذا الكفر سألناهم وهم يقرون بأن امرأ لو قال بلسانه: أنا كافر بالاسلام، مقر بالتثليث، إن هذا كفر، وإنه مرتد، وهذا بعينه الذي أبيح عند الاكراه، فقد جاءت إباحة الكفر نصا، وحسن ذلك في عقولهم، وبطل قولهم، والذي نقول به إن الله تعالى لو أباح الكفر الذي هو العقد لكان حسنا مباحا، وأنه إنما حظر بالشرع فقط وبالله تعالى التوفيق، ويقال لمن قال: إن كفر المنعم محظور بالعقل. ما تقول في كافر ربى إنسانا وأحسن إليه، ثم لقيه في حرب أيقتله أم لا؟ فإن قالوا: لا. خالفوا الاجماع، وإن قالوا: نعم. نقضوا قولهم في أن كفر المنعم محظور بالعقل، فإن قالوا: إن قتله شكر له، كابر، وإن أقروا بأن قتله الذي هو سبب مصيره إلى الخلود في النار شكر له وإحسان إليه، وهذا ضد ما ميزه العقل، وبالله تعالى التوفيق.