فقط، وهذا كلام ومذهب يفسد الدين، ويبطل حقيقة العقل. وقد علمنا ضرورة أن الألفاظ إنما وضعت ليعبر بها عما تقتضيه في اللغة، وليعبر بكل لفظة عن المعنى الذي علقت عليه، فمن أحالها فقد قصد إبطال الحقائق جملة، وهذا غاية الافساد وبالله تعالى التوفيق.
قال علي: ثم نبطل كلا المذهبين معا بحول الله وقوته. قال الله تعالى: * (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب) * وقال تعالى: * (قل أرأيتم ما نزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون) *.
قال علي: ففي هاتين الآيتين نص واضح على تحريم القول في شئ من كل ما في العالم أنه حرام أو أنه حلال، فبطل بذلك قول من قال: إن الأشياء قبل ورود الشرع على الحظر أو على الإباحة، وصح أن من قال شيئا من من ذلك بغير إذن من الله تعالى فهو مفتر على الله عز وجل، وأما إذا ورد الشرع بأي شئ ورد من إباحة الكل، أو حظر الكل، أو حظر البعض، أو إباحة البعض فواجب القوم بكل ما ورد من ذلك، وقال تعالى: * (أيحسب الانسان أن يترك سدى) * والسدي المهمل الذي لا يأمر ولا ينهى فصح بهذه الآية أن الناس لم يبقوا قط هملا دون ورود شروع فبطل قول من قال: ان العقول تعرت وقتا من الدهر من شرع وإذ قد بطل هذا القول، فقد بطل أن يكون الشئ في العقل قبل ورود الشرع له حكم في العقل بحظر أو إباحة. قصار قولهم محالا ممتنعا، مع كونه حراما أيضا لو كان ممكنا وقال تعالى وإن من أمة إلا خلا فيها نذير فبطل هذا أن تكون أمة وقتا من الدهر لم يتقدم فيهم نذير وقد كان آدم عليه السلام رسولا فح الأرض وقال تعالى له إذ أنزله إلى الأرض ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين فأباح تعالى الأشياء بقوله أنها متاع لنا ثم حظر ما شاء وكل ذلك بشرع وكذلك إذ خلقه في الجنة لم يتركه وقتا من الدهر دون شرع بل قد قال تعالى وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة: فلم يخل قط وقت من الزمان عن أمر أو نهى قال على: ويقال لهم أيضا: لو جاز أن نبقى دون شرع لكان حكمنا كحكمنا