هنا حال حدثت لهم، إلا أن الله تعالى أراد أن يعذبهم في الآخرة، ولو شاء أن يستمر نعيمهم لفعل، ولكن ورد النص بالتعذيب قلنا به، وقال بعض القائلين بالإباحة: محال أن يخلق الله تعالى فينا الشهوات المقتضية لما تقتضيه ثم يحظر علينا ما خلق لنا.
قال علي: هذه مكابرة العيان، وليست هذه هي حجة مسلم، لان الله عز وجل وقد فعل ما أنكروا، وخلق فينا شهوات تقتضي إتيان الفواحش في كل امرأة جميلة نراها أو في حسان الغلمان، وشرب الخمور في البساتين، وأخذ كل شئ استحسنته النفوس والراحة، وترك التعرض لسيوف أهل الشرك، والنوم عن الصلوات في الهواجر الحارة والغدوات القارة، ثم حرم علينا ذلك كله.
فإن قال قائل: فإن الله تعالى قد عوض من ذلك أشياء أباحها، وعوض على ترك ما حرم ما هو خير وهو الجنة، قلنا له وبالله تعالى التوفيق: لقد كان تعالى قادرا أن يجمع الامرين لنا معا، ولقد كان يكون ذلك أقل لتعبنا وألذ لنفوسنا وأروح لأجسامنا وأتم لسرورنا، ولكنه تعالى لم يرد إلا ما ترى لا معقب لحكمه.
وبيان ذلك: أنه قد نعم قوما في الدنيا والآخرة، كداود وسليمان عليهما السلام وأعطاهما اللذات العظيمة والملك السنيع والنبوة مع ذلك. وسلط على أيوب وهو نبي مثلهما من البلايا ما لا قبل لاحد به دون ذنب سلف منه، ولا إحسان سلف من سليمان وداود على جميعهم الصلاة والسلام، وسلط محمدا صلى الله عليه وسلم على جميع أعدائه، وعصمه منهم، ومنحه النصر عليهم، وسلط على أنبياء أخر أعداءهم فقتلوهم بأنواع المثل، وكلهم مع ذلك من مسعود مسلط على عدوه في الدنيا ومحروم مسلط عليه عدوه فيها، وكلهم مجتمعون في الجنة متنعمون فيها وفعل بنا ذلك أيضا، فمن محسن منعم، ومن محسن مشقي، وقد نعم أيضا عز وجل ملوكا من الكفار في الدنيا، وأصحبهم النصر والتأييد إلى أن قبض أرواحهم إلى النار، وهم أطغى خلق الله وأكفره، وأشد تسلطا على الفواحش. وحرم آخرين من الكفار، فقتلهم بالفاقة والجوع والعري والقمل والمسألة من باب إلى باب مع