العاهات العظيمة والبلايا الشنيعة والأمراض المؤلمة، ثم جعل مجتمعهم في جهنم مع منعهم في الدنيا، ومنحوس فيها، فأي عقل ترتبت فيه هذه الرتبة أو المنع منها ما يحس شيئا من ذلك في عقله إلا ناقص العقل، ينبغي له أن يتهم حسه في ذلك.
ونسأل من جعل العقل مرتبا في حظر أو إباحة قبل ورود الشرع فنقول له:
ما تقول في راهب في صومعة، مريد لله عز وجل بقلبه كله، موحد لله تعالى لا يدع خيرا إلا فعله ولا شرا إلا اجتنبه، إلا أنه كان في جزائر الشاشيين في أقصى الدنيا يسمع قط ذكر محمد صلى الله عليه وسلم من جميع أهل ناحيته إلا متبعا بالكذب وبأقبح الصفات، ومات على ذلك وهو شاك في نبوته صلى الله عليه وسلم أو مكذب لها، أليس مصيره إلى النار خالدا، مخلدا أبدا بلا نهاية؟ فإن شك أحد في ذلك فهو كافر بإجماع الأمة.
ثم نقول: ما تقول في يهودي أو نصراني لم يدع قتل مسلم قدر عليه إلا قتله أو أنفذه ولم يبق شيئا من الفواحش إلا ارتكبه، من الزنى وفعل قوم لوط عليه السلام، وفعل كل بلية، ثم إنه أيقن بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وآمن وبرئ من كل دين إلا دين الاسلام، وأقر بذلك بلسانه ومات أثر ذلك، أليس من أهل الجنة؟ بلا خلاف من أحد من الأمة، فإن شك في ذلك فقد كفر.
ففي أي موجب للعقل وجد إثبات هذا أو وجد إبطاله، وما الذي أوجب في العقل أن يخص محمدا صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء بهذه الفضائل، وقد كان عليه السلام بين أظهر الناس أربعين سنة لم يحبه تعالى بهذه الفضيلة، فأي عقل أوجب منعه من ذلك قبل أن يؤتاها أو أوجب أن يحبى بها إذ حبي بها، هل هي إلا أفعال الله تعالى واختياره، وكل هذا يبطل أن يكون للعقل محال في حظر أو إباحة، أو تحسين أو تقبيح، وأن كل ذلك منتظر فيه ما ورد من الله تعالى في وحيه فقط، نسأل الله الهدى والعافية في الدنيا والآخرة بمنه آمين.
وقال بعض المتكلفين من القائلين بالإباحة: كل من اضطره الله إلى شئ فقد أباحه له.
قال أبو محمد علي: وهذا قول امرئ لم يتدرب في العلم، وقد أخطأ في هذه القضية لان الضرورة فعل الله تعالى، والجائع مضطر إلى الجوع، والمريض مضطر إلى المرض، وقد قال تعالى في أهل النار: ثم نضطره إلى عذاب النار أفيسوغ