ويقال لمن قال بإباحتها واحتج بأن في مدخل الطعام ومخرجه عبرة ودليلا على قدرة الله عز وجل، اطرد علتك وقل: وفي فسقك بالذكور وبالنساء عبرة ودليل على قدرة الله عز وجل في مداخلة الأعضاء بعضها في بعض، وفي تخلق الولد وولادته أعظم عبرة، وأدل دليلا على قدرة الله عز وجل، وكذلك في قتل النفس وسيلان الدم بعد منع الجلد له من السيلان، وفي خروج النفس وانقطاع الحركة والحس أعظم عبرة وأدل دليلا على القدرة، فأبح قتل النفس على هذا وقل: إنه حسن في العقول بل واجب، ومن قرأ كتب التشريح للأطباء علم أن في ذلك أعظم عبرة، فليقل إن قتل الأنفس مباح في العقل.
واحتج المبيحون أيضا بأن قالوا: لابد من فعل، أو ترك، أو حركة أو سكون فإن منعتموه الكل أوجبتم المحال والممتنع.
قال أبو محمد: وهذا إنما يخاطب به من قال بالحظر، وأما نحن فلسنا نقول:
إن في العقل إباحة شئ ولا حظره، وإنما فيه تمييز الموجودات على ما هي عليه وفهم الخطاب فقط.
وبالجملة فكل شئ يعارض به القائلون بالإباحة أو الحظر فهي دعاوى مجردة، واحتج بعض القائلين بالإباحة بقوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) قال أبو محمد: ولا حجة لهم في هذا، لأننا لم نقل إنه تعالى يعذب من لم يبعث إليه رسولا فيعارضون بهذا، وليست هذه الآية من مسألتنا في الإباحة والحظر في ورد ولا صدر، لان الأشياء لو ورد الحظر فيها بنص جلي إلا أنه لم يأت وعيد على مرتكبها لم يجز لاحد أن يقول: إن الله تعالى يعذب من خالف أمره، وليس في كون المرء عاصيا أو كافرا ما يوجب أنه يعذب ولا بد، وإنما علمنا وجوب العذاب من طريق القرآن والخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم فقط، ولولا ذلك ما علمناه.
برهان ذلك، أن الكفار الطغاة قد وجدناهم في هذا العالم يعمرون مدة أعمارهم غير معذبين، لا بل في نعمة وملك وغلبة وكرامة، ولا فرق بين جواز ذلك خمسين عاما وستين وسبعين وثمانين، وبين تماديه هكذا أبدا وقتا بعد وقت، ولا فرق بين جواز ذلك في الوقت الأول، وبين جوازه في الوقت الثاني، وليست