(إلى ان قال) أقول يشكل الجواز لعدم الدليل عليه لأن دليل التخيير إن كان الاخبار الدالة عليه فالظاهر انها مسوقة لبيان وظيفة المتحير في ابتداء الأمر فلا إطلاق فيها بالنسبة إلى حال المتحير بعد الالتزام بأحدهما واما العقل الحاكم بعدم جواز طرح كليهما فهو ساكت من هذه الجهة والأصل عدم حجية الآخر بعد الالتزام بأحدهما كما تقرر في دليل عدم جواز العدول عن فتوى مجتهد إلى مثله نعم لو كان الحكم بالتخيير في المقام من باب تزاحم الواجبين كان الأقوى استمراره لأن المقتضي له في السابق موجود بعينه بخلاف التخيير الظاهري في تعارض الطريقين فإن احتمال تعيين ما التزمه قائم بخلاف التخيير الواقعي فتأمل واستصحاب التخيير غير جار لأن الثابت سابقا ثبوت الاختيار لمن لم يتخير فإثباته لمن اختار والتزم إثبات للحكم في غير موضوعه الأول (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(أقول) أما التخيير في دوران الأمر بين المحذورين فقد عرفت قبلا انه ليس إلا بحكم العقل وليس في العقل ما يمنع عن استمرار التخيير إلى الآخر سوى لزوم المخالفة القطعية إذا اختار في الواقعة الثانية غير ما اختاره في الواقعة الأولى وقد أجبنا عنها بأنه كما تلزم حينئذ المخالفة القطعية فكذلك تلزم حينئذ الموافقة القطعية ولم يعلم ان مصلحة الموافقة القطعية هي أقل من مفسدة المخالفة القطعية (وأما التخيير في تعارض الخبرين) فقد عرفت هنا انه ليس الا بحكم الشرع والا فمقتضي القاعدة الأولية هو تساقطهما جميعا والرجوع إلى الأصل العملي المطابق لأحدهما وليس في البين ما يمنع عن استمرار التخيير الشرعي سوى احتمال تعيين ما التزمه أولا شرعا فيدور الأمر فيه بين التعيين والتخيير الشرعيين فيجب الاحتياط (ولكن يدفع) احتمال التعيين في المقام إطلاقات التخيير فان موضوعها وان كان هو المتحير ولكن لا يكاد يرتفع التحير بمجرد الالتزام بأحدهما فإن المراد من المتحير في المقام ليس الا من