بذلك أن تلك الروايات وإن لم تكن في نفسها حجة، إلا أن دلت القرائن الخارجية على صحتها ولزوم الاعتماد عليها، فهو أمر ممكن في نفسه، لكنه لا يسعنا تصديقه، وترتيب آثار الصحة على تلك الروايات غير الواجدة لشرائط الحجية، فإنها كثيرة جدا.
ومن البعيد جدا وجود امارة الصدق في جميع هذه الموارد، مضافا إلى أن إخبار محمد بن يعقوب بصحة جميع ما في كتابه حينئذ لا يكون شهادة، وإنما هو اجتهاد استنبطه مما اعتقد أنه قرينة على الصدق. ومن الممكن أن ما اعتقده قرينة على الصدق لو كان وصل إلينا لم يحصل لنا ظن بالصدق أيضا، فضلا عن اليقين.
وثالثا: إنه يوجد في الكافي روايات شاذة لو لم ندع القطع بعدم صدورها من المعصوم عليه السلام فلا شك في الاطمئنان به. ومع ذلك كيف تصح دعوى القطع بصحة جميع روايات الكافي، وأنها صدرت من المعصومين عليهم السلام.
ومما يؤكد ما ذكرناه من أن جميع روايات الكافي ليست بصحيحة: أن الشيخ الصدوق - قدس سره - لم يكن يعتقد صحة جميع ما في الكافي وكذلك شيخه محمد بن الحسن بن الوليد على ما تقدم من أن الصدوق يتبع شيخه في التصحيح والتضعيف.
والمتحصل أنه لم تثبت صحة جميع روايات الكافي، بل لا شك في أن بعضها ضعيفة، بل إن بعضها يطمأن بعدم صدورها من المعصوم عليه السلام. والله أعلم ببواطن الأمور) (1).
على أننا لو واصلنا قراءة خطبة الكافي لرأينا فيها ما يدل على أن الشيخ الكليني لم يعتقد بصحة جميع ما في كتابه، وإنما كان يرجو أن يكون الأمر كما أراده السائل لتأليف الكتاب، وذلك بقوله: (وقد يسر الله - وله الحمد - تأليف ما سألت، وأرجو أن يكون بحيث توخيت، فمهما كان فيه من تقصير، فلم تقصر نيتنا في إهداء النصيحة إذ كانت واجبة لاخواننا وأهل ملتنا).