واستمر الوضع العلمي على هذا حتى توقف الدراسات الاخبارية بسبب سيطرة الدراسات الأصولية على المراكز العلمية الامامية، والأبحاث العلمية التي تصدر منها، فتحول المذهب القائل بالتقسيم الثنائي القديم إلى قضية تاريخية تذكر في مجال الدرس التاريخي لتطور البحث في علمي الرجال والحديث.
تقسيمه:
إذا رجعنا إلى تاريخ التشريع الاسلامي لمعرفة متى وضع علم الحديث عند أهل السنة، ومتى وضع علم الحديث عند الشيعة - ويعرف هذا عادة بأول كتاب ألف في هذا العلم - سوف نرى أول كتاب ظهر لأهل السنة في فن مصطلح الحديث - كما يعبرون عنه - وهو كتاب (المحدث الفاضل بين الراوي والواعي) للقاضي أبي محمد حسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي المتوفى سنة 360 ه.
وذكرت - فيما تقدم - أن أقدم مؤلف إمامي في هذا العلم أشير إليه وهو كتاب (شرح أصول دراية الحديث) للسيد علي بن عبد الكريم بن عبد الحميد النجفي النيلي من علماء المائة الثامنة.
وهذا يعني أن أهل السنة كانوا أسبق تاريخيا في تدوين علم الحديث.
وسبب هذا أن أهل السنة يعتمدون - كما هو معلوم - على الحديث المروي عن طريق الصحابة.
ولأن الصحابة انتهى آخر أجيالهم بانتهاء القرن الأول الهجري، وانتهى من بعدهم التابعون وتابعو التابعين بانتهاء القرن الثالث الهجري.
وبانتهاء هؤلاء اختفت القرائن التي كانوا يعتمدون عليها في الوثوق بصحة الحديث، فعادوا أحوج ما يكونون إلى وضع قواعد وضوابط للتوثق من صحة الحديث، فاتجهوا إلى تحقق هذا في بدايات القرن الرابع الهجري.
ولأن استمرار اتصال الشيعة بالأئمة لم ينته إلا في أواخر القرن الرابع الهجري، فاعتمدوا حينها على مدونات الحديث التي كتبت في عهود الأئمة.