هذا عند الصحابة القائلين بالمنع ومن تبعهم من أهل السنة وهم جمهورهم.
تدوين الحديث عند أهل البيت:
أما عند أهل البيت فالأمر كان على العكس حيث التزموا سنة رسول الله (ص) فدنوا الحديث وكتبوه في الصحف الصغيرة، والكتب الكبيرة الجامعة.
ورواية الكليني المتقدمة تعطينا صورة واضحة عن هذا، فقد جاء في آخرها قول أمير المؤمنين (ع): (وقد كنت أدخل على رسول الله (ص) كل يوم دخلة، وكل ليلة دخلة، فيخليني فيها، أدور معه حيث دار، وقد علم أصحاب رسول الله (ص) أنه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري، فربما كان في بيتي يأتيني رسول الله (ص) أكثر ذلك.
وكنت إذا دخلت عليه بعض منازله أخلاني وأقام عني نساءه فلا يبقى عنده غيري، وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم يقم عني فاطمة ولا أحدا من بني.
وكنت إذا سألته أجابني، وإذا سكنت عنه وفنيت مسائلي ابتدأني.
فما نزلت على رسول الله (ص) آية من القرآن إلا أقرأنيها أو أملاها علي فكتبتها بخطي، وعلمني تأويلها وتفسيرها، وناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، وخاصها وعامها.
ودعا الله أن يعطيني فهمها وحفظها، فما نسيت آية من كتاب الله تعالى، ولا علما أملاه علي وكتبته منذ دعا الله لي بما دعا، وما ترك شيئا علمه الله من حلال ولا حرام ولا أمر ولا نهي كان أو يكون، ولا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية إلا علمنيه وحفظته فلم أنس حرفا واحدا.
ثم وضع يده على صدري ودعا لي أن يملأ قلبي علما وفهما وحكما ونورا، فقلت: يا رسول الله - بأبي أنت وأمي - منذ دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئا، ولم يفتني شئ لم أكتبه، أفتتخوف علي النسيان فيما بعد، فقال: لا، لست أتخوف عليك النسيان والجهل) (1).