وقد أجاب الشهيد الثاني أنه باستيفاء ووفاء، قال: (وجوز ذلك البحث وإن اشتمل على القدح في المسلم المستور، واستلزم إشاعة الفاحشة في الذين آمنون، صيانة للشريعة المطهرة من إدخال ما ليس منها فيها، ونفيا للخطأ والكذب عنها.
وقد روي أنه قيل لبعض العلماء: (أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله يوم القيامة)، فقال: (لأن يكونوا خصمائي أحب إلي من أن يكون رسول الله (ص) خصمي، يقول لي: لم لم تذب الكذب عن حديثي).
وروي أن بعضهم سمع من بعض العلماء شيئا من ذلك، فقال له: (يا شيخ لا يغتاب العلماء)، فقال له: (ويحك، هذا نصيحة، ليس هذا غيبة).
وهذا أمر واضح لا مرية فيه، بل هو من فروض الكفاية كأصل المعرفة بالحديث.
نعم، يجب على المتكلم في ذلك التثبت في نظره وجرحه لئلا يقدح في برئ غير مجروح بما ظنه جرحا، فيجرح بريئا بسمة سوء يبقى عليه الدهر عارها..
فقد أخطأ في ذلك غير واحد، فطعنوا في أكابر من الرواة، استنادا إلى طعن ورد فيهم، له محمل، أو لا يثبت عنهم بطريق صحيح.
فمن أراد الوقوف على حقيقة الحال فليطالع كتاب الكشي في الرجال.
وقد كفانا السلف الصالح من العلماء بهذا الشأن مؤنة الجرح والتعديل غالبا، في كتبهم التي صنفوها في الضعفاء، كابن الغضائري، أو فيهما معا (يعني الجرح والتعديل) كالنجاشي والشيخ أبي جعفر الطوسي والسيد جمال الدين أحمد بن طاووس والعلامة جمال الدين بن المطهر والشيخ تقي الدين بن داود وغيرهم.
ولكن ينبغي للماهر في هذه الصناعة، ومن وهبه الله تعالى أحسن بضاعة تدبر ما ذكروه، ومراعاة ما قرروه، فعله يظفر بكثير مما أهملوه، ويطلع على توجيه في المدح والقدح قد أغفلوه، كما أطلعنا عليه كثيرا، ونبهنا عليه في مواضع كثيرة وضعناها على كتب القوم، خصوصا مع تعارض الأخبار في الجرح والقدح، فإنه وقع لكثير من أكابر الرواة، وقد أودعه الكشي في كتابه من غير ترجيح، وتكلم من بعده في ذلك، واختلفوا في ترجيح أيهما على الآخر اختلافا كثيرا، فلا ينبغي لمن