وحينئذ فغلبة اللفظ على المعنى كناية عن تعينه له، الناشئ عن وضع التعيين أو كثرة الاستعمالات المجازية البالغة حد الحقيقة، فإن اللفظ والمعنى ما لم يحصل بينهما أحد الأمرين كانا متنافرين، كالتنافر الحاصل بين المتقابلين الذي هو معنى عدم اجتماعهما في جانب واحد، فإذا حصل أحد الأمرين فكأن اللفظ بتعينه الناشئ عنه له غلب على المعنى وأخذه على جانبه، وعلى هذا فقوله: " وإن غلب وكان الاستعمال لمناسبة فهو المنقول " يشمل كلا قسمي المنقول الحاصل نقله بالتعين أو التعيين، ولا ينافيه قوله: " وكان الاستعمال لمناسبة " بدعوى: عدم ملائمته لوضع التعيين الذي لأجله يلاحظ المناسبة لا لأجل الاستعمال، لأن الاستعمال إذا وقع للوضع وهو للمناسبة فيصدق أن الاستعمال وقع للمناسبة، وعلى هذا فلا قصور في عبارة المصنف.
ولا يرد عليه: أن الظاهر من كلامه أنه لا وضع في المعنى المنقول إليه والمرتجل كما في المجاز، حيث جعل الثلاثة من أقسام ما اختص الوضع بأحد المعاني، فالفرق بينهما وبين المجاز اعتبار عدم الغلبة في المجاز واعتبارها فيهما.
والفرق بينهما اعتبار المناسبة في المنقول دون المرتجل، مع اشتراك الجميع في عدم الوضع الحقيقي كما سبق إليه بعض المحققين (1) فلا يلزم كون استعمالات المرتجل على كلامه غير صحيحة، لفرض انتفاء الوضع وملاحظة المناسبة فيها معا، ولا يخفى إن الاستعمال بدون أحد الأمرين غير صحيح، فإن الغلبة المفروضة فيه بالمعنى الذي قررناه ملزومة للوضع، وهو أحد فردي مصحح الاستعمال.
نعم يشكل الحال فيه بالقياس إلى أن مقتضى كلامه ثبوت الوضع في المرتجل وعدم كونه واحدا بالمعنى المتقدم، وهو مما لا يرتبط بما اعتبر فيه فرقا بينه وبين المنقول، من كون الاستعمال بدون ملاحظة المناسبة، فإن وصف الوحدة إنما ينتفي مع ملاحظتها، إلا أن يوجه قوله: " بدون المناسبة " إلى إرادة كون الاستعمال لعدم