والمقامات، فهي كما أنها تتبع الموارد في أصلها فكذلك تتبعها في وصفها، فإن كان المورد له وصف الكلية يتصف بها النسب المخصوصة بالعرض، وإن كان له وصف الجزئية يتصف بها النسب أيضا كذلك، ففي الحقيقة يكون اتصاف المعنى الحرفي بهما من باب اتصاف الشئ بوصف متعلقه لا نفسه، فينحل حاصل المعنى إلى دعويين:
إحداهما: أن معاني الحروف معان نسبية وأمور رابطية تعتبر آلة لملاحظة حال الغير، وهذا هو الذي يساعد عليه النظر الدقيق وصرح به أهل التحقيق، نظرا إلى أن ما عدا المعاني الحدثية والمعاني الغير الحدثية المستقلة من المفاهيم نسب وارتباطات مخصوصة، تختلف باختلاف الحيثيات والاعتبارات، ووضع لبعضها هيئآت الأفعال كالارتباط الحاصل فيما بين الذات والحدث باعتبار صدوره عنها ونحوه، ولأكثرها الحروف كالإرتباط الحاصل فيما بينهما باعتبار تعلقه بها كما في الحروف الجارة الداخلة في المفاعيل، أو باعتبار كونها مبدأ لصدوره أو منتهى ومحلا لانقطاعه، أو كونها محلا لوقوعه فيها من زمان أو مكان كما في " من " الابتداء و " إلى " و " حتى " الانتهاء و " في " الظرفية، والارتباط الحاصل فيما بين المعاني الحدثية بعضها مع بعض باعتبار كون أحدهما غاية للآخر أو علة له، كما في " كي " الغرض ولام التعليل، والارتباط الحاصل فيما بين الذوات بعضها مع بعض باعتبار كون إحداهما متفوقا على الأخرى أو ظرفا لهما، كما في " على " الاستعلاء و " في " الظرفية وهكذا إلى آخر الحروف ومعانيها، فإنها غير خارجة عن الارتباطات المختلفة بالاعتبارات، وليس في كلام أهل العربية وأئمة اللغة ما ينافي ذلك سوى ما يوهمه قولهم: " من " للابتداء و " إلى " للانتهاء و " كي " للغرض وما أشبه ذلك، من كون المأخوذ في وضعها هذه المفاهيم أو جزئياتها على أنها هذه المفاهيم باعتبار ما لوحظ معها من وصف الآلية الباعثة على خروجها عن استقلال المفهومية، كما هو المستفاد من كثير من العبائر أيضا.
ولكن يدفعه: القطع بعدم كون مرادهم بذلك إفادة كون المأخوذ في الحروف