والمدارك: قد علم كميتها وحقيقتها سابقا.
والمراد ب (أحكامها): أحوال التعادل والترجيح وسيجئ إن شاء الله تعالى.
وسيجئ تحقيق ما يحصل بسببه العلم بالمدارك.
البحث الثاني:
في أن الاجتهاد هل يقبل التجزية؟ أو لا؟ بمعنى: جريانه في بعض المسائل دون بعض، وذلك بأن يحصل للعالم ما هو مناط الاجتهاد في بعض المسائل، دون بعض آخر، وقد اختلف فيه، فالأكثر على أن يقبل التجزية، وقيل بعدمه.
والحق الأول لوجوه:
الأول: أنه إذا اطلع على دليل مسألة بالاستقصاء، فقد ساوى المجتهد المطلق في تلك ا لمسألة، وعدم علمه بأدلة غيرها لا مدخل له فيها.
فإن قلت: لا يمكن العلم بعدم المعارض (1) والمخصص بدون الإحاطة بجميع مدارك الأحكام، فبطل التساوي.
قلت: إنكار حصول الظن بعدم المعارض مكابرة، بل قد يحصل العلم من العادة بالعدم، فإن المسائل التي وقع فيها الخلاف، وأوردها جمع كثير من الفقهاء في كتبهم الاستدلالية، واستدلوا عليها نفيا وإثباتا، مما تحكم العادة بأن ليس لها مدارك غير ما ذكروه، ولا أقل من حصول ظن قوي متاخم من العلم.
فإن قلت: التمسك في جواز اعتماد المتجزي على استنباطه، بمساواته للمجتهد المطلق، قياس غير معلوم العلة، فيكون باطلا.