تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ٢٥٧
أجزاءها ويخلط ريشها ودماءها ولحومها ويمسك رءوسها ثم امر بأن يجعل أجزاءها على الجبال وذلك قوله تعالى «ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا» أي جزئهن وفرق أجزاءهن على ما بحضرتك من الجبال قيل كانت أربعة أجبل وقيل سبعة فجعل على كل جبل ربعا أو سبعا من كل طائر وقرئ جزؤا بضمتين وجزا بالتشديد بطرح همزته تخفيفا ثم تشديده عند الوقف ثم إجراء الوصل مجرى الوقف «ثم أدعهن يأتينك» في حيز الجزم على أنه جواب الأمر ولكنه بنى لاتصاله بنون جمع مؤنث «سعيا» أي ساعيات مسرعات أو ذوات سعى طيرانا أو مشيا وإنما اقتصر على حكاية أوامره عز وجل من غير تعرض لامتثاله عليه السلام ولا لما ترتب عليه من عجائب آثار قدرته تعالى كما روى انه عليه السلام نادى فقال تعالين بإذن لله فجعل كل جزء منهن يطير إلى صاحبة حتى صارت جثثا ثم أقبلن إلى رؤوسهن فانضمت كل جثة إلى رأسها فعادت كل واحدة منهن إلى ما كانت عليه من الهيئة للإيذان بان ترتب تلك الأمور على الأوامر الجليلة واستحالة تخلفها عنها من الجلاء والظهور بحيث لا حاجة له إلى الذكر أصلا وناهيك بالقصة دليلا على فضل الخليل ويمن الضراعة في الدعاء وحسن الأدب في السؤال حيث أراه الله تعالى ما سأله في الحال على أيسر ما يكون من الوجوه وأرى عزيرا ما أراه بعد ما أماته مائة عام «واعلم أن الله عزيز» غالب على أمره لا يعجزه شئ عما يريده «حكيم» ذو حكمة بالغة في أفاعيله فليس بناء أفعاله على الأسباب العادية لعجزه عن إيجادها بطريق آخر خارق للعادات بل لكونه متضمنا للحكم والمصالح «مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله» أي في وجوه الخيرات من الواجب والنفل «كمثل حبة» لابد من تقرير مضاف في أحد الجانبين أي مثل نفقتهم كمثل حبة أو مثلهم كمثل باذر حبة «أنبتت سبع سنابل» أي أخرجت ساقا تشعب منها سبع لكل واحدة منها سنبلة «في كل سنبلة مائة حبة» كما يشاهد ذلك في الذرة والدخن في الأراضي المغلة بل أكثر من ذلك وإسناد الإنبات إلى الحبة مجازى كإسناده إلى الأرض والربيع وهذا التمثيل تصوير للأضعاف كأنها حاضرة بين يدي الناظر «والله يضاعف» تلك المضاعفة أو فوقها إلى ما شاء الله تعالى «لمن يشاء» أن يضاعف له بفضله على حسب حال المنفق من إخلاصه وتعبه ولذلك تفاوتت مراتب الأعمال في مقادير الثواب «والله واسع» لا يضيق عليه ما يتفضل به من الزيادة «عليم» بنية المنفق ومقدار إنفاقه وكيفية تحصيل ما انفقه «الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله» جملة مبتدأ جئ بها لبيان كيفية الإنفاق الذي بين فضله بالتمثيل المذكور «ثم لا يتبعون ما أنفقوا»
(٢٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271