مستقبل للدلالة على تقرره وتحققه «ولما برزوا» أي ظهر طالوت ومن معه من المؤمنين وصاروا إلى براز من الأرض في موطن الحرب «لجالوت وجنوده» وشاهدوا ما هم عليه من العدد والعدد وأيقنوا انهم غير مطيقين بهم عادة «قالوا» أي جميعا عند تقوى قلوب الفريق الأول منهم بقول الفريق الثاني متضرعين إلى الله تعالى مستعينين به «ربنا أفرغ علينا صبرا» على مقاساة شدائد الحرب واقتحام موارده الصعبة الضيقة وفي التوسل بوصف الربوبية المنبئة عن التبليغ إلى الكمال وإيثار الإفراغ المعرب عن الكثرة وتنكير الصبر المفصح عن التفخيم من الجزالة مالا يخفى «وثبت أقدامنا» في مداحض القتال ومزال النزال وثبات القدم عبارة عن كمال القوة والرسوخ عند المقارعة وعدم التزلزل وقت المقاومة لا مجرد التقرر في حيز واحد «وانصرنا على القوم الكافرين» بقهرهم وهزمهم ووضع الكافرين في موضع الضمير العائد إلى جالوت وجنوده للإشعار بعلة النصر عليهم ولقد راعوا في الدعاء ترتيبا بديعا حيث قدموا سؤال إفراغ الصبر الذي هو ملاك الأمر ثم سؤال تثبيت القدم المتفرع عليه ثم سؤال النصر الذي هو الغاية القصوى «فهزموهم» أي كسروهم بلا مكث «بإذن الله» بنصره وتأييده إجابة لدعائهم وإيثار هذه الطريقة على طريقة قوله عز وجل فآتاهم الله ثواب الدنيا الخ للمحافظة على مضمون قولهم غلبت فئة كثيرة بإذن الله «وقتل داود جالوت» كان أيشى أبو داود في عسكر طالوت معه ستة من بنيه وكان داود عليه السلام سابعهم وكان صغيرا يرعى الغنم فأوحى الله تعالى إلى نبيهم أنه الذي يقتل جالوت فطلبه من أبيه فجاء وقد مر في طريقة بثلاثة أحجار قال له كل منها أحملنا فإنك بنا تقتل جالوت فحملها في مخلاته قيل لما أبطأ على أبيه خبر إخوته في المصاف أرسل داود إليهم ليأتيه بخبرهم فأتاهم وهم في القراع وقد برز جالوت بنفسه إلى البراز ولا يكاد يبارزه أحد وكان ظلة ميلا فقال داود لأخوته اما فيكم من يخرج إلى هذا الأقلف فزجروه فنحا ناحية أخرى ليس فيها إخوته وقد مر به طالوت وهو يحرض الناس على القتال فقال له داود ما تصنعون بمن يقتل هذا الأقلف قال طالوت أنكحه بنتي وأعطيه شطر مملكتي فبرز له داود فرماه بما معه من الأحجار بالمقلاع فأصابه في صدره فنفذ الأحجار منه وقتلت بعده ناسا كثيرا وقيل إنما كلمته الأحجار عند بروزه لجالوت في المعركة فأنجز له طالوت ما وعده وقيل إنه حسده وأخرجه من مملكته ثم ندم على ما صنعه فذهب يطلبه إلى أن قتل وملك داود عليه السلام وأعطى النبوة وذلك قوله تعالى «وآتاه الله الملك» أي ملك بنى إسرائيل في مشارق الأرض المقدسة ومغاربها «والحكمة» أي البنوة ولم يجتمع في بنى إسرائيل الملك والنبوة قبله إلا له بل كان الملك في سبط والنبوة في سبط
(٢٤٤)