يحدث في الآخرة والتأكيد بأن واللام لما أن الأمور الأخروية خفية عند المخاطبين فحاجتها إلى التأكيد أشد من الأمور التي تشاهد آثارها وكلمة في متعلقة بالصالحين على أن اللام للتعريف وليست بموصولة حتى يلزم تقديم بعض الصلة عليها على أنه قد يغتفر في الظرف مالا يغتفر في غيره كما في قوله * ربيته حتى إذا تمعددا * كان جزائي بالعصا أن أجلدا * أو بمحذوف من لفظه أي وأنه لصالح في الآخرة لمن الصالحين أو من غير لفظه أي اعني في الآخرة نحو لك بعد رعيا وقيل هي متعلقة باصطفيناه على ان في النظم الكريم تقديما وتأخيرا تقديره ولقد اصطفيناه في الدنيا والآخرة وإنه لمن الصالحين «إذ قال له» ظرف لاصطفيناه لما أن المتوسط ليس بأجنبي بل هو مقرر له لأن اصطفاءه في الدنيا إنما هو للنبوة وما يتعلق بصلاح الآخرة أو تعليل له أو منصوب باذكر كأنه قيل اذكر ذلك الوقت لتقف على أنه المصطفى الصالح المستحق للإمامة والتقدم وأنه ما نال الا بالمبادرة إلى الإذعان والانقياد لما أمر به واخلاص سره على أحسن ما يكون حين قال له «ربه أسلم» أي لربك «قال أسلمت لرب العالمين» وليس الأمر على حقيقته بل هو تمثيل والمعنى أخطر بباله دلائل التوحيد المؤدية إلى المعرفة الداعية إلى الاسلام من الكوكب والقمر والشمس وقيل اسلم أي أذعن واطع وقيل أثبت على ما أنت عليه من الاسلام والاخلاص أو استقم وفوض أمورك إلى الله تعالى فالامر على حقيقته والالتفات مع التعرض لعنوان الربوبية والإضافة اليه عليه السلام لإظهار مزيد اللطف به والاعتناء بتربيته وإضافة الرب في جوابه عليه الصلاة والسلام إلى العالمين للإيذان بكمال قوة اسلامه حيث أيقن حين النظر بشمول ربوبيته للعالمين قاطبة لا لنفسه وحده كما هو المأمور به «ووصى بها إبراهيم بنيه» شروع في بيان تكميله عليه السلام لغيره اثر بيان كماله في نفسه وفيه توكيد لوجوب الرغبة في ملته عليه السلام والتوصية التقدم إلى الغير بما فيه خير وصلاح للمسلمين من فعل أو قول واصلها الوصلة يقال وصاه إذا وصله وفصاه إذا فصله كأن الموصي يصل فعله بفعل الوصي والضمير في بها للملة أو قوله أسلمت لرب العالمين بتأويل الكلمة كما عبر بها عن قوله تعالى «إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني» في قوله عز وجل «وجعلها كلمة باقية في عقبه» وقرئ أوصي والأول أبلغ «ويعقوب» عطف على إبراهيم أي وصى بها هو أيضا وقرئ بالنصب عطفا على بنيه «يا بني» على اضمار القول عند البصريين ومتعلق بوصي عند الكوفيين لأنه في معنى القول كما في قوله رجلان من ضبة أخبرانا * انا رأينا رجلا عريانا فهو عند الأولين بتقدير القول وعند الآخرين متعلق بالإخبار الذي هو في معنى القول وقرئ ان يا بني وبنو إبراهيم عليه السلام كانوا أربعة إسماعيل وإسحاق ومدين ومدان وقيل ثمانية وقيل أربعة وعشرين وكان بنو يعقوب اثني عشر روبين وشمعون ولاوي ويهوذا ويشسوخور وزبولون وزوانا وتفتونا
(١٦٣)