تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١٦١
المعلومات التي من زمرتها نياتنا في جميع أعمالنا والجملة تعليل لاستدعاء التقبل لا من حيث إن كونه تعالى سمعيا لدعائهما عليما بنياتهما مصحح للتقبل في الجملة بل من حيث إن علمه تعالى بصحة نياتهما وإخلاصهما في أعمالهما مستدع له بموجب الوعد تفضلا وتأكيد الجملة لغرض كمال قوة يقينهما بمضمونها وقصر نعتى السمع والعلم عليه تعالى لإظهار اختصاص دعائهما به تعالى وانقطاع رجائهما عما سواه بالكلية واعلم أن الظاهر أن أول ما جرى من الأمور المحكية هو الابتلاء وما يتبعه ثم دعاء البلدية والأمن وما يتعلق به ثم رفع قواعد البيت وما يتلوه ثم جعله مثابة للناس والأمر بتطهيره ولعل تغيير الترتيب الوقوعي في الحكاية لنظم الشؤون الصادرة عن جنابة تعالى في سلك مستقل ونظم الأمور الواقعة من جهة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام من الأفعال والأقوال في سلك آخر وأما قوله تعالى ومن كفر الخ فإنما وقع في تضاعيف الأحوال المتعلقة بإبراهيم لاقتضاء المقام واستيجاب ما سبق من الكلام ذلك بحيث لم يكن بد منه أصلا كما أن وقوع قوله عليه السلام ومن ذريتي في خلال كلامه سبحانه لذلك «ربنا واجعلنا مسلمين لك» مخلصين لك أو مستسلمين من أسلم إذا استسلم وانقاد وأياما كان فالمطلوب الزيادة والثبات على ما كان عليه من الإخلاص والإذعان وقرئ مسلمين على صيغة الجمع بإدخال هاجر معهما في الدعاء أو لأن التثنية من مراتب الجمع «ومن ذريتنا أمة مسلمة لك» أب وأجعل بعض ذريتنا وإنما خصاهم بالدعاء لأنهم أحق بالشفقة ولأنهم إذا صلحوا صلح الأتباع وإنما خصا به بعضهم لما علما أن منهم ظلمة وأن الحكمة الإلهية لا تقتضى اتفاق لكل على الإخلاص والإقبال الكلى على الله عز وجل فإن ذلك مما يخل بأمر المعاش ولذلك قيل لولا الحمقى لخربت الدنيا وقيل أراد بالأمة المسلمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقد جوز أن يكون من مبينة قدمت على المبين وفصل بها بين العاطف والمعطوف كما في قوله تعالى «ومن الأرض مثلهن» والأصل وأمة مسلمة لك من ذريتنا «وأرنا» من الرؤية بمعنى الإبصار أو بمعنى التعريف أي بصرنا أو عرفنا «مناسكنا» أي متعبداتنا في الحج أو مذابحنا والنسك في الأصل غاية العبادة وشاع في الحج لما فيه من الكلفة والبعد عن العادة وقرئ أرنا قياسا على فخذ في فخذ وفيه إجحاف لأن الكسرة منقولة من الهمزة الساقطة دليل عليهما وقرئ بالاختلاس «وتب علينا» استتابه لذريتهما وحكايتها عنهما لترغيب الكفرة في التوبة والإيمان أو توبة لهما عما فرط منهما سهوا ولعلمهما قالاه هضما لأنفسهما وإرشادا لذريتهما «إنك أنت التواب الرحيم» وهو تعليل للدعاء ومزيد استدعاء للإجابة قيل إذا أراد العبد أن يستجاب له فليدع الله عز وجل بما يناسبه من أسمائه وصفاته «ربنا وابعث فيهم» أي في الأمة المسلمة
(١٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271