تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١٦٨
النضير وتلوين الخطاب بتجريده للنبي صلى الله عليه وسلم مع أن ذلك كفاية منه سبحانه للكل لما أنه الأصل والعمدة في ذلك وللإيذان بأن القيام بأمور الحروب وتحمل المؤن والمشاق ومقاساة الشدائد في مناهضة الأعداد من وظائف الرؤساء فنعمته تعالى في الكفاية والنصر في حقة عليه السلام أتم وأكمل «وهو السميع العليم» تذييل لما سبق من الوعد وتأكيد له والمعنى أنه تعالى يسمع ما تدعون به ويعلم ما في نيتك من إظهار الدين فيستجيب لك ويوصلك إلى مرادك أو وعيد للكفرة أي يسمع ما ينطقون به ويعلم ما يضمرونه في قلوبهم مما لا خير فيه وهو معاقبهم عليه ولا يخفى ما فيه من تأكيد الوعد السابق فإن وعيد الكفرة وعد للمؤمنين «صبغة الله» الصبغة من الصبغ كالجلسة من الجلوس وهي الحالة التي يقع عليها الصبغ عبر بها عن الإيمان بما ذكر على الوجه الذي فصل لكونه تطهيرا للمؤمنين من أوضار الكفر وحلية تزينهم بآثاره الجميلة ومتداخلا في قلوبهم كما أن شأن الصبغ بالنسبة إلى الثوب كذلك وقيل للمشاركة التقديرية فإن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية ويزعمون أنه تطهير لهم وبه يحق نصرانيتهم وإضافته إلى الله عز وجل مع استناده فيما سلف إلى ضمير المتكلمين للتشريف والإيذان بأنها عطية منه سبحانه لا يستقل العبد بتحصيلها فهي إذن مؤكد لقوله تعالى آمنا داخل معه في حيز قولوا منتصب عنه انتصاب وعد الله عما تقدمه لكونه بمثابة فعله كأنه قيل صبغة الله صبغة وقيل هي منصوبة بفعل الإغراء أي ألزموا صبغة الله وإنما وسط بينهما الشرطيتان وما بعدهما اعتناء ببيان أنه الإيمان الحق وبه الاهتداء ومسارعة إلى تسليته عليه الصلاة والسلام «ومن أحسن من الله» مبتدأ أو خبر والاستفهام للإنكار والنفي وقوله تعالى «صبغة» نصب على تمييز من أحسن منقول من المبتدأ والتقدير ومن صبغته أحسن من صبغته تعالى فالتفضيل جار بين الصبغتين لابين فاعليهما أي لا صبغة أحسن من صبغته تعالى على معنى أنها أحسن من كل صبغة على ما أشير إليه في قوله تعالى ومن أظلم ممن منع الخ وحيث كان مدار التفضيل على تعميم الحسن الحقيقي والفرضي المبنى على زعم الكفرة لم يلزم منه أن يكون في صبغة غيره تعالى حسن في الجملة والجملة اعتراضية مقررة لما في صبغة الله من معنى التبجح والابتهاج «ونحن له» أي لله الذي أولانا تلك النعمة الجليلة «عابدون» شكرا لها ولسائر نعمة وتقدير الظرف للاهتمام ورعاية الفواصل وهو عطف على آمنا داخل معه تحت الأمر وإيثار الاسمية للإشعار بدوام العبادة أو على فعل الإغراء بتقدير القول أي الزموا صبغة الله وقولوا نحن له عابدون فقوله تعالى ومن أحسن من الله صبغة حينئذ يجرى مجرى التعليل للاغراء «قل أتحاجوننا» تجريد الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم عقيب الكلام الداخل تحت الأمر الوارد بالخطاب العام لما أن المأمور به من الوظائف الخاصة به عليه الصلاة والسلام وقرئ بإدغام النون والهمزة للإنكار أي أتجادلوننا «في الله» أي في دينه وتدعون أن دينه الحق هو اليهودية
(١٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271