النضير وتلوين الخطاب بتجريده للنبي صلى الله عليه وسلم مع أن ذلك كفاية منه سبحانه للكل لما أنه الأصل والعمدة في ذلك وللإيذان بأن القيام بأمور الحروب وتحمل المؤن والمشاق ومقاساة الشدائد في مناهضة الأعداد من وظائف الرؤساء فنعمته تعالى في الكفاية والنصر في حقة عليه السلام أتم وأكمل «وهو السميع العليم» تذييل لما سبق من الوعد وتأكيد له والمعنى أنه تعالى يسمع ما تدعون به ويعلم ما في نيتك من إظهار الدين فيستجيب لك ويوصلك إلى مرادك أو وعيد للكفرة أي يسمع ما ينطقون به ويعلم ما يضمرونه في قلوبهم مما لا خير فيه وهو معاقبهم عليه ولا يخفى ما فيه من تأكيد الوعد السابق فإن وعيد الكفرة وعد للمؤمنين «صبغة الله» الصبغة من الصبغ كالجلسة من الجلوس وهي الحالة التي يقع عليها الصبغ عبر بها عن الإيمان بما ذكر على الوجه الذي فصل لكونه تطهيرا للمؤمنين من أوضار الكفر وحلية تزينهم بآثاره الجميلة ومتداخلا في قلوبهم كما أن شأن الصبغ بالنسبة إلى الثوب كذلك وقيل للمشاركة التقديرية فإن النصارى كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه المعمودية ويزعمون أنه تطهير لهم وبه يحق نصرانيتهم وإضافته إلى الله عز وجل مع استناده فيما سلف إلى ضمير المتكلمين للتشريف والإيذان بأنها عطية منه سبحانه لا يستقل العبد بتحصيلها فهي إذن مؤكد لقوله تعالى آمنا داخل معه في حيز قولوا منتصب عنه انتصاب وعد الله عما تقدمه لكونه بمثابة فعله كأنه قيل صبغة الله صبغة وقيل هي منصوبة بفعل الإغراء أي ألزموا صبغة الله وإنما وسط بينهما الشرطيتان وما بعدهما اعتناء ببيان أنه الإيمان الحق وبه الاهتداء ومسارعة إلى تسليته عليه الصلاة والسلام «ومن أحسن من الله» مبتدأ أو خبر والاستفهام للإنكار والنفي وقوله تعالى «صبغة» نصب على تمييز من أحسن منقول من المبتدأ والتقدير ومن صبغته أحسن من صبغته تعالى فالتفضيل جار بين الصبغتين لابين فاعليهما أي لا صبغة أحسن من صبغته تعالى على معنى أنها أحسن من كل صبغة على ما أشير إليه في قوله تعالى ومن أظلم ممن منع الخ وحيث كان مدار التفضيل على تعميم الحسن الحقيقي والفرضي المبنى على زعم الكفرة لم يلزم منه أن يكون في صبغة غيره تعالى حسن في الجملة والجملة اعتراضية مقررة لما في صبغة الله من معنى التبجح والابتهاج «ونحن له» أي لله الذي أولانا تلك النعمة الجليلة «عابدون» شكرا لها ولسائر نعمة وتقدير الظرف للاهتمام ورعاية الفواصل وهو عطف على آمنا داخل معه تحت الأمر وإيثار الاسمية للإشعار بدوام العبادة أو على فعل الإغراء بتقدير القول أي الزموا صبغة الله وقولوا نحن له عابدون فقوله تعالى ومن أحسن من الله صبغة حينئذ يجرى مجرى التعليل للاغراء «قل أتحاجوننا» تجريد الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم عقيب الكلام الداخل تحت الأمر الوارد بالخطاب العام لما أن المأمور به من الوظائف الخاصة به عليه الصلاة والسلام وقرئ بإدغام النون والهمزة للإنكار أي أتجادلوننا «في الله» أي في دينه وتدعون أن دينه الحق هو اليهودية
(١٦٨)