تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١٥٢
وأكثر أهل التفسير هم مشركو العرب لقوله تعالى «فليأتنا بآية كما أرسل الأولون» وقالوا «لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا» «لولا يكلمنا الله» أي هلا يكلمنا بلا واسطة أمرا أو نهيا كما يكلم الملائكة أو هلا يكلمنا تنصيصا على نبوتك «أو تأتينا آية» حجة تدل على صدقك بلغوا من العتو والاستكبار إلى حيث أملوا نيل مرتبة المفاوضة الإلهية من غير توسط الرسول والملك ومن العناد والمكابرة إلى حيث لم يعدوا ما آتاهم من البينات الباهرة التي تخر لها صم الجبال من قبيل الآيات قاتلهم الله أني يؤفكون «كذلك» مثل ذلك القول الشنيع الصادر عن العناد والفساد «قال الذين من قبلهم» من الأمم الماضية «مثل قولهم» هذا الباطل الشنيع فقالوا «أرنا الله جهرة» قالوا «لن نصبر على طعام واحد» الآية وقالوا هل يستطيع ربك الخ قالوا اجعل لنا إلها الخ «تشابهت قلوبهم» أي قلوب هؤلاء وأولئك في العمى والعناد وإلا لما تشابهت أقاويلهم الباطلة «قد بينا الآيات» أي نزلناها بينة بان جعلناها كذلك في أنفسها كما في قولهم سبحان من صغر البعوض وكبر الفيل لا أنا بيناها بعد أن لم تكن بينه «لقوم يوقنون» أي يطلبون اليقين ويوقنون بالحقائق لا يعتريهم شبهة ولا ريبة وهذا رد لطلبهم الآية وفي تعريف الآيات وجمعها وإيراد التبيين المفصح عن كمال التوضيح مكان الإتيان الذي طلبوه ما لا يخفى من الجزالة والمعنى أنهم اقترحوا آية فذة ونحن قد بينا الآيات العظام لقوم يطلبون الحق واليقين وإنما لم يتعرض لرد قولهم لولا يكلمنا الله إيذانا بأنه من ظهور البطلان بحيث لا حاجة إلى الرد والجواب «إنا أرسلناك بالحق» أي متلبسا بالقرآن كما في قوله تعالى «كذبوا بالحق لما جاءهم» أو بالصدق كما في قوله تعالى «أحق هو» وقوله تعالى «بشيرا ونذيرا» حال من مفعول باعتبار تقييده بالحال الأولى أي أرسلناك متلبسا بالقرآن حال كونك بشيرا لمن آمن بما أنزل عليك وعمل به ونذيرا لمن كفر به أو أرسلناك صادقا حال كونك بشيرا لمن صدقك بالثواب ونذيرا لمن كذبك بالعذاب ليختاروا لأنفسهم ما أحبوا لا قاسر لهم على الإيمان فلا عليك إن أصروا وكابروا «ولا تسأل عن أصحاب الجحيم» ما لهم لم يؤمنوا بعد ما بلغت ما أرسلت به وقرئ لن تسأل وما تسأل وقرئ لا تسأل على صيغة النهى إيذانا بكمال شدة عقوبة الكفار وتهويلا لها كأنها لغاية فظاعتها لا يقدر المخبر على إجرائها على لسانه أو لا يستطيع السامع ان يسمع خبرها وحمله على نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن السؤال عن حال أبويه مما لا يساعده النظم الكريم والجحيم المتأجج من النار وفي التعبير عنهم بصاحبية الجحيم دون الكفر والتكذيب ونحوهما وعيد شديد لهم وإيذان بأنهم مطبوع عليهم لا يرجى منهم الإيمان قطعا وقوله تعالى «ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم» بيان لكمال شدة شكيمة هاتين الطائفتين خاصة إثر بيان ما يعمهما والمشركين من الإصرار على ما هم عليه إلى الموت وإيراد لا
(١٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271