أن يضيع ثباتكم على الإيمان بل شكر صنيعكم وأعد لكم الثواب العظيم وقيل إيمانكم بالقبلة المنسوخة وصلاتكم إليها لما روى أنه عليه السلام لما توجه إلى الكعبة قالوا كيف حال إخواننا الذين مضوا وهم يصلون إلى بيت المقدس فنزلت واللأم في ليضيع أما متعلقة بالخبر المقدر لكان كما هو رأى البصرية وانتصاب الفعل بعدها بأن المقدرة أي ما كان الله مريدا أو متصديا لأن يضيع الخ ففي توجيه النفي إلى إرادة الفعل تأكيد ومبالغة ليس في توجهه إلى نفسه وأما مزيدة للتأكيد ناصبة للفعل بنفسها كما هو رأى الكوفية ولا يقدح في ذلك زيادتها كما لا يقدح زيادة حروف الجر في عملها وقوله تعالى «إن الله بالناس لرؤوف رحيم» تحقيق وتقرير للحكم وتعليل له فإن اتصافه عز وجل بهما يقتضى لا محالة أن لا يضيع أجورهم ولا يدع ما فيه صلاحهم والباء متعلقة برءوف وتقديمه على رحيم مع كونه أبلغ منه لما مر في وجه تقديم الرحمن على الرحيم وقيل أكثر من الرأفة في الكمية والرأفة أقوى منها في الكيفية لأنها عبارة عن إيصال النعم الصافية عن الآلام والرحمة إيصال النعمة مطلقا وقد يكون مع الألم كقطع العضو المتآكل وقرئ رؤوف بغير مد كندس «قد نرى تقلب وجهك في السماء» أي تردده وتصرف نظرك في جهتها تطلعا للوحي وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقع في روعة ويتوقع من ربه عز وجل أن يحوله إلى الكعبة لأنها قبلة إبراهيم وأدعى للعرب إلى الإيمان لأنها مفخرتهم ومزارهم ومطافهم ولمخالفة اليهود فكان يراعى نزول جبريل بالوحي بالتحويل «فلنولينك قبلة» الفاء للدلالة على سببيه ما قبلها لما بعدها وهي في الحقيقة داخلة على قسم محذوف يدل عليه اللام أي فو الله لنولينك أي لنعطينكها ولنمكننك من استقبالها من قولك وليته كذا أي صيرته واليا له أو لنجعلنك تلى جهتها أو لنحولنك على أن نصب قبله بحذف الجار أي إلى قبلة وقيل هو متعد إلى مفعولين «ترضاها» تحبها وتشتاق إليها لمقاصد دينية وافقت مشيئته تعالى وحكمته «فول وجهك» الفاء لتفريع الأمر بالتولية على الوعد الكريم وتخصيص التولية بالوجه لما أنه مدار التوجه ومعياره وقيل المراد به كل البدن أي فاصرفه «شطر المسجد الحرام» أي نحوه وهو نصب على الظرفية من ول أو على نزع الخافض أو على مفعول ثان له وقيل الشطر في الأصل اسم لما انفصل من الشئ ودار شطور إذا كانت منفصله عن الدور ثم استعمل لجانبه وإن لم ينفصل كالقطر والحرام المحرم أي محرم فيه القتال أو ممنوع من الظلمة أن يتعرضوا له وفي ذكر المسجد الحرام دون الكعبة إيذان بكفاية مراعاة الجهة لأن في مراعاة العين من البعيد حرجا عظيما بخلاف القريب روى عن البراء بن عازب أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فصلى نحو بيت المقدس ستة عشرة شهرا ثم وجه إلى الكعبة وقيل كان ذلك في رجب بعد زوال الشمس قبيل قتال بدر بشهرين ورسوله الله صلى الله عليه وسلم في
(١٧٤)