«رسولا منهم» أي من أنفسهم فإن البعث فيهم لا يستلزم البعث منهم ولم يبعث من ذريتهما غير النبي صلى الله عليه وسلم فهو الذي أجيب به دعوتهما عليهما السلام روى أنه قيل له قد استجيب لك وهو في آخر الزمان قال عليه السلام أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى ورؤيا أمي وتخصيص إبراهيم عليه السلام بالاستجابة له لما أنه الأصل في الدعاء وإسماعيل تبع له عليه السلام «يتلو عليهم آياتك» يقرأ عليهم ويبلغهم ما يوحى اليه من البينات «ويعلمهم» بحسب قوتهم النظرية «الكتاب» أي القرآن «والحكمة» وما يكمل به نفوسهم من أحكام الشريعة والمعارف الحقة «ويزكيهم» بحسب قوتهم العملية أي يطهرها عن دنس الشرك وفنون المعاصي «إنك أنت العزيز» الذي لا يقهر ولا يغلب على ما يريد «الحكيم» الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة والمصلحة والجملة تعليل للدعاء وإجابة المسؤول فإن وصف الحكمة مقتض لإفاضة ما تقتضيه الحكمة من الأمور التي من جملتها بعث الرسول ووصف العزة مستدع لامتناع وجود المانع بالمرة «ومن يرغب عن ملة إبراهيم» إنكار واستبعاد لأن يكون في العقلاء من يرغب عن ملته التي هي الحق الصريح والدين الصحيح أي لا يرغب عن ملته الواضحة الغراء «إلا من سفه نفسه» أي أذلها واستمهنها واستخف بها وقيل خسر نفسه وقيل أوبق أو أهلك أو جهل نفسه قال المبرد وثعلب سفه بالكسر متعد وبالضم لازم ويشهد له ما ورد في الخبر الكبر أن تسفه الحق وتغمض الناس وقيل معناه ضل من قبل نفسه وقيل أصله سفه نفسه بالرفع فنصب على التمييز نحو غبن رأيه وألم رأسه ونحو قوله * ونأخذ بعده بذناب عيش * أجب الظهر ليس له سنام * وقوله * وما قومي بثعلبة بن سعد * ولا بفزارة الشعر الرقابا * ذلك لأنه إذا رغب عما لا يرغب عنه أحد من العقلاء فقد بالغ في إذلال نفسه وإذالتها وإهانتها حيث خالف بها كل نفس عاقلة روى أن عبد الله بن سلام دعا ابني أخيه سلمة ومهاجرا إلى الإسلام فقال لهما قد علمنا أن الله تعالى قال في التوراة إني باعث من ولد إسماعيل نبيا اسمه أحمد فمن آمن به فقد اهتدى ورشد ومن لم يؤمن به فهو ملعون فأسلم سلمة وأبي مهاجر فنزلت «ولقد اصطفيناه في الدنيا» أي اخترناه بالنبوة والحكمة من بين سائر الخلق وأصله اتخاذ صفوة الشيء كما أن أصل الاختيار اتخاذ خيره واللام لجواب قسم محذوف والواو اعتراضية والجملة مقررة لمضمون ما قبلها أي وبالله لقد اصطفيناه وقوله تعالى «وإنه في الآخرة لمن الصالحين» أي من المشهود لهم بالثبات على الاستقامة والخير والصلاح معطوف عليها داخل في حيز القسم مؤكد لمضمونها مقرر لما تقرره ولا حاجة إلى جعله اعتراضا آخر أو حالا مقدرة فإن من كان صفوة للعباد في الدنيا مشهودا له بالصلاح في الآخرة كان حقيقا بالاتباع لا يرغب عن ملته الا سفيه أو متسفه أذل نفسه بالجهل والإعراض عن النظر والتأمل وإيثار الاسمية لما أن انتظامه في زمرة صالحي أهل الآخرة أمر مستمر في الدارين لا أنه
(١٦٢)