قرى الشام فوضعها بالطائف لدعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام «من آمن منهم بالله واليوم الآخر» بدل من أهله بدل البعض خصهم بالدعاء إظهارا لشرف الإيمان وإبانة لخطره واهتماما بشأن أهله ومراعاة لحسن الأدب وفيه ترغيب لقومه في الإيمان وزجر عن الكفر كما أن في حكايته ترغيبا وترهيبا لقريش وغيرهم من أهل الكتاب «قال» استئناف مبنى على السؤال كما مر مرارا وقوله تعالى «ومن كفر» عطف على مفعول فعل محذوف تقديره أرزق من آمن ومن كفر وقوله تعالى «فأمتعه» معطوف على ذلك الفعل أو في محل رفع بالابتداء قوله تعالى فأمتعه خبره أي فأنا أمتعه وإنما دخلته الفاء تشبيها له بالشرط والكفر وإن لم يكن سببا للتمتيع المطلق لكنه يصلح سببا لتقليله وكونه موصولا بعذاب النار وقيل هو عطف على من آمن عطف تلقين كأنه قيل قل وارزق من كفر فإنه أيضا مجاب كأنه عليه السلام قاس الرزق على الإمامة فنبهه تعالى على أنه رحمة دنيوية شاملة للبر والفاجر بخلاف الإمامة الحاصلة بالخواص وقرئ فأمتعه من أمتع وقرئ فنمتعه «قليلا» تمتيعا قليلا أو زمانا قليلا «ثم أضطره إلى عذاب النار» أي ألزه إليه لز المضطر لكفره وتضييعه ما متعه به من النعم وقرئ ثم نضطره على وفق قراءة فنمتعه وقرئ فأمتعه قليلا ثم اضطره بلفظ الأمر فيهما على أنهما من دعاء إبراهيم عليه السلام وفي قال ضميره وإنما فصله عما قبله لكونه دعاء على الكفرة وتغيير سبكه للإيذان بأن الكفر سبب لاضطرارهم إلى عذاب النار وأما رزق من آمن فإنما هو على طريقة التفضيل والإحسان وقرئ بكسر الهمزة على لغة من يكسر حرف المضارعة وأطره بإدغام الضاد في الطاء وهي لغة مرذولة فإن حروف ضم شفر يدغم فيها ما يجاورها بلا عكس «وبئس المصير» المخصوص بالذم محذوف أي بئس المصير النار أو عذابها «وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت» عطف على ما قبله من قوله عز وجلا وإذ قال إبراهيم على أحد الطريقين المذكورين في وإذ جعلنا وصيغة الاستقبال لحكاية الحال الماضية لاستحضار صورتها العجيبة المنبئة عن المعجزة الباهرة والقواعد جمع قاعدة وهي الأساس صفة غالبة من القعود بمعنى الثبات ولعله مجاز من مقابل القيام ومنه قعدك الله ورفعها البناء عليها لأنه ينقلها من هيئة الانخفاض إلى هيئة الارتفاع والمرتفع حقيقة وإن كان هو الذي بنى عليها لكنهما لما التأما صارا شيئا واحدا فكأنها نمت وارتفعت وقيل المراد بها سافات البناء فإن كل ساف قاعدة لما يبنى عليها وبرفعها بناء بعضها على بعض وقيل المراد برفعها رفع مكانة البيت وإظهار شرفه ودعاء الناس إلى حجه وفي إبهامها أولا ثم تبيينها من تفخيم شأنها مالا يخفى وقيل المعنى وإذ يرفع إبراهيم ما قعد من البيت واستوطأ يعنى يجعل هيئة القاعدة المستوطأة مرتفعة عالية بالبناء روى أن الله عز وجل أنزل البيت ياقوته من يواقيت الجنة له بابان من زمرد شرقي وغربي وقال لآدم أهبطت لك ما يطاف به كما يطاف حول عرشي فتوجه آدم من أرض الهند إليه ماشيا وتلقته الملائكة فقالوا بر حجك يا آدم لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام وحج آدم عليه السلام أربعين حجة من أرض الهند إلى مكة على رجليه فكان على ذلك إلى أن رفعه الله أيام الطوفان إلى السماء الرابعة فهو البيت المعمور
(١٥٩)