تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ١ - الصفحة ١٥٩
قرى الشام فوضعها بالطائف لدعوة إبراهيم عليه الصلاة والسلام «من آمن منهم بالله واليوم الآخر» بدل من أهله بدل البعض خصهم بالدعاء إظهارا لشرف الإيمان وإبانة لخطره واهتماما بشأن أهله ومراعاة لحسن الأدب وفيه ترغيب لقومه في الإيمان وزجر عن الكفر كما أن في حكايته ترغيبا وترهيبا لقريش وغيرهم من أهل الكتاب «قال» استئناف مبنى على السؤال كما مر مرارا وقوله تعالى «ومن كفر» عطف على مفعول فعل محذوف تقديره أرزق من آمن ومن كفر وقوله تعالى «فأمتعه» معطوف على ذلك الفعل أو في محل رفع بالابتداء قوله تعالى فأمتعه خبره أي فأنا أمتعه وإنما دخلته الفاء تشبيها له بالشرط والكفر وإن لم يكن سببا للتمتيع المطلق لكنه يصلح سببا لتقليله وكونه موصولا بعذاب النار وقيل هو عطف على من آمن عطف تلقين كأنه قيل قل وارزق من كفر فإنه أيضا مجاب كأنه عليه السلام قاس الرزق على الإمامة فنبهه تعالى على أنه رحمة دنيوية شاملة للبر والفاجر بخلاف الإمامة الحاصلة بالخواص وقرئ فأمتعه من أمتع وقرئ فنمتعه «قليلا» تمتيعا قليلا أو زمانا قليلا «ثم أضطره إلى عذاب النار» أي ألزه إليه لز المضطر لكفره وتضييعه ما متعه به من النعم وقرئ ثم نضطره على وفق قراءة فنمتعه وقرئ فأمتعه قليلا ثم اضطره بلفظ الأمر فيهما على أنهما من دعاء إبراهيم عليه السلام وفي قال ضميره وإنما فصله عما قبله لكونه دعاء على الكفرة وتغيير سبكه للإيذان بأن الكفر سبب لاضطرارهم إلى عذاب النار وأما رزق من آمن فإنما هو على طريقة التفضيل والإحسان وقرئ بكسر الهمزة على لغة من يكسر حرف المضارعة وأطره بإدغام الضاد في الطاء وهي لغة مرذولة فإن حروف ضم شفر يدغم فيها ما يجاورها بلا عكس «وبئس المصير» المخصوص بالذم محذوف أي بئس المصير النار أو عذابها «وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت» عطف على ما قبله من قوله عز وجلا وإذ قال إبراهيم على أحد الطريقين المذكورين في وإذ جعلنا وصيغة الاستقبال لحكاية الحال الماضية لاستحضار صورتها العجيبة المنبئة عن المعجزة الباهرة والقواعد جمع قاعدة وهي الأساس صفة غالبة من القعود بمعنى الثبات ولعله مجاز من مقابل القيام ومنه قعدك الله ورفعها البناء عليها لأنه ينقلها من هيئة الانخفاض إلى هيئة الارتفاع والمرتفع حقيقة وإن كان هو الذي بنى عليها لكنهما لما التأما صارا شيئا واحدا فكأنها نمت وارتفعت وقيل المراد بها سافات البناء فإن كل ساف قاعدة لما يبنى عليها وبرفعها بناء بعضها على بعض وقيل المراد برفعها رفع مكانة البيت وإظهار شرفه ودعاء الناس إلى حجه وفي إبهامها أولا ثم تبيينها من تفخيم شأنها مالا يخفى وقيل المعنى وإذ يرفع إبراهيم ما قعد من البيت واستوطأ يعنى يجعل هيئة القاعدة المستوطأة مرتفعة عالية بالبناء روى أن الله عز وجل أنزل البيت ياقوته من يواقيت الجنة له بابان من زمرد شرقي وغربي وقال لآدم أهبطت لك ما يطاف به كما يطاف حول عرشي فتوجه آدم من أرض الهند إليه ماشيا وتلقته الملائكة فقالوا بر حجك يا آدم لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام وحج آدم عليه السلام أربعين حجة من أرض الهند إلى مكة على رجليه فكان على ذلك إلى أن رفعه الله أيام الطوفان إلى السماء الرابعة فهو البيت المعمور
(١٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة قاضي القضاة أبو السعود 3
2 (الجزء الأول) 1 - سورة الفاتحة 7
3 2 - سورة البقرة 20
4 تفسير قوله تعالى إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها 71
5 أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم 97
6 وإذا استسقى موسى لقومه 105
7 أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 116
8 ولقد جاءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 130
9 ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير 142
10 وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن 154
11 (الجزء الثاني) سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها 170
12 إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما 181
13 ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر 192
14 يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها 203
15 واذكروا الله في أيام معدودات 210
16 يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس و إثمهما أكبر من نفعهما 218
17 والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة 230
18 ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت 237
19 (الجزء الثالث) تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض 245
20 قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حميد 258
21 ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء 264
22 وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة 271