عليه السلام فإن ذلك واقع قبل بناء البيت كما يفصح عنه قوله تعالى «وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت» وكان إسماعيل عليه السلام حينئذ بمعزل من مثابة الخطاب وظاهر أن هذا بعد بلوغه مبلغ الأمر والنهى وتمام الباء بمباشرته كما ينبئ عنه إيراده أثر حكاية جعله مثابة للناس الخ والمراد تطهيره من الأوثان والأنجاس وطواف الجنب والحائض وغير ذلك مما لا يليق به «للطائفين» حوله «والعاكفين» المجاورين المقيمين عنده أو المعتكفين أو القائمين في الصلاة كما في قوله عز وعلا «للطائفين والقائمين» «والركع السجود» جمع راكع وساجد أي للطائفين والمصلين لأن القيام والركوع والسجود من هيئات المصلى ولتقارب الأخيرين ذاتا وزمانا ترك العاطف بين موصوفيهما أو أخلصاه لهؤلاء لئلا يغشاه غيرهم وفيه إيماء إلى أن ملابسة غيرهم به وإن كانت مع مقارنة أمر مباح من قبيل تلويثه وتدنيسه «وإذ قال إبراهيم» عطف على ما قبله من قوله وإذ جعلنا الخ إما بالذات أو بعامله المضمر كما مر «رب اجعل هذا بلدا آمنا» ذا أمن كعيشة راضية أو آمنا أهله كليله نائم أي اجعل هذا الوادي من البلاد الامنة وكان ذلك أول ما قدم عليه السلام مكة كما روى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه عليه الصلاة والسلام لما أسكن إسماعيل وهاجر هناك وعاد متوجها إلى الشام تبعته هاجر تقول إلى من تكلنا في هذا البلقع وهو لا يرد عليهما جوابا حتى قالت آلله أمرك بهذا فقال نعم قالت إذن لا يضيعنا فرضيت ومضى حتى إذا استوى على ثنية كداء أقبل على الوادي فقال ربنا إني أسكنت الآية وتعريف البلد مع جعله صفة لهذا في سورة إبراهيم إن حمل على تعدد السؤال لما أنه عليه السلام سأل أولا كلا الأمرين البلدية والأمن فاستجيب له في أحدهما وتأخر الآخر إلى وقته المقدر له لما تقتضيه الحكمة الباهرة ثم كرر السؤال حسبما هو المعتاد في الدعاء والابتهال أو كان المسؤول أولا البلدية ومجرد الأمن المصحح للسكنى كما في سائر البلاد وقد أجيب إلى ذلك وثانيا الأمن المعهود أو كان هو المسؤول أولا أيضا وقد أجيب إليه لكن السؤال الثاني لاستدامته والاقتصار على سؤاله مع جعل البلد صفة لهذا لأنه المقصد الأصلي أو لأن المعتاد في البلدية الاستمرار بعد التحقق بخلاف الأمن وإن حمل على وحدة السؤال وتكرر الحكاية كما هو المتبادر فالظاهر أن المسؤول كلا الأمرين وقد حكى ذلك ههنا واقتصر هناك على حكاية سؤال الأمن اكتفاء عن حكاية سؤال البلدية بحكاية سؤال جعل أفئدة الناس تهوى إليه كما سيأتي تفصيله هناك بإذن الله عز وجل «وارزق أهله من الثمرات» من أنواعها بأن تجعل بقرب منه قرى يحصل فيها ذلك أو يجبى إليه من الأقطار الشاسعة وقد حصل كلاهما حتى إنه يجتمع فيه الفواكه الربيعية والصيفية والخريفية في يوم واحد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الطائف كانت من أرض فلسطين فلما دعا إبراهيم عليه الصلاة والسلام بهذه الدعوة رفعها الله تعالى فوضعها حيث وضعها رزقا للحرم وعن الزهري أنه تعالى نقل قرية من
(١٥٨)