قوله تعالى: (فأوف لنا الكيل وتصدق علينا) فيه أربع مسائل:
الأولى - قوله تعالى: " فأوف لنا الكيل " يريدون كما تبيع بالدراهم الجياد لا تنقصنا بمكان دراهمنا، هذا قول أكثرا المفسرين. وقال ابن جريج. " فأوف لنا الكيل " يريدون الكيل الذي كان قد كاله لأخيهم. " وتصدق علينا " أي تفضل علينا بما بين سعر الجياد والرديئة. قاله سعيد بن جبير والسدي والحسن: لأن الصدقة تحرم على الأنبياء. وقيل المعنى:
" تصدق علينا " بالزيادة على حقنا، قاله سفيان بن عيينة. قال مجاهد: ولم تحرم الصدقة إلا على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وقال ابن جريج: المعنى " تصدق علينا " برد أخينا إلينا. وقال ابن شجرة: " تصدق علينا " تجوز عنا، واستشهد بقول الشاعر:
تصدق علينا يا ابن عفان (1) واحتسب * وأمر علينا الأشعري لياليا (إن الله يجزى المتصدقين) يعنى في الآخرة، يقال: هذا من معاريض الكلام، لأنه لم يكن عندهم أنه على دينهم، لذلك لم يقولوا: إن الله يجزيك بصدقتك، فقالوا لفظا يوهمه أنهم أرادوه، وهم يصح لهم إخراجه بالتأويل، قاله النقاش وفى الحديث: " إن في المعاريض (2) لمندوحة عن الكذب ". الثانية - استدل مالك وغيره من العلماء على أن أجرة الكيال على البائع، قال ابن القاسم وابن نافع قال مالك: قالوا ليوسف " فأوف لنا الكيل " فكان يوسف هو الذي يكيل، وكذلك الوزان والعداد وغيرهم، لأن الرجل إذا باع عدة معلومة من طعامه، وأوجب العقد عليه، وجب عليه أن يبرزها ويميز حق المشتري من حقه، إلا أن يبيع منه معينا - صبره (3) أو ما لا حق توفيه فيه - فخلى [ما] (4) بينه وبينه، فما جرى على المبيع فهو علي المبتاع، وليس كذلك ما فيه حق توفيه من كيل أو وزن، ألا ترى أنه لا يستحق البائع الثمن إلا بعد التوفية، وإن تلف فهو منه قبل التوفية.