قلت: هذا تحامل من ابن العربي في الرد، وأنه لم يجمع معه على ذلك أحد، وقد ذكرنا عن مجاهد أن الطرف الأول صلاة الصبح، وقد وقع الاتفاق - إلا من شذ - بأن من أكل أو جامع بعد طلوع الفجر متعمدا أن يومه ذلك يوم فطر، وعليه القضاء والكفارة، وما ذلك إلا وما بعد طلوع الفجر من النهار، فدل على صحة ما قاله الطبري في الصبح، وتبقى عليه المغرب والرد عليه فيه ما تقدم. والله أعلم.
الثالثة - قوله تعالى: (وزلفا من الليل) أي في زلف من الليل، والزلف الساعات القريبة بعضها من بعض، ومنه سميت المزدلفة، لأنها منزل بعد عرفة بقرب مكة. وقرأ ابن القعقاع وابن أبي إسحاق وغيرهما " وزلفا " بضم اللام جمع زليف، لأنه قد نطق بزليف، ويجوز أن يكون واحده " زلفة " لغة، كبسرة وبسر، في لغة من ضم السين.
وقرأ ابن محيصن " وزلفا " من الليل بإسكان اللام، والواحدة زلفة تجمع جمع الأجناس التي هي أشخاص كدرة ودر وبرة وبر. وقرأ مجاهد وابن محيصن أيضا " زلفى " مثل قربى.
وقرأ الباقون " وزلفا " بفتح اللام كغرفة وغرف. قال ابن الأعرابي: الزلف الساعات، واحدها زلفة. وقال قوم: الزلفة أول ساعة من الليل بعد مغيب الشمس، فعلى هذا يكون المراد بزلف الليل صلاة العتمة، قاله ابن عباس. وقال الحسن: المغرب والعشاء. وقيل:
المغرب والعشاء والصبح، وقد تقدم. وقال الأخفش: يعني صلاة الليل ولم يعين.
الرابعة - قوله تعالى: (إن الحسنات يذهبن السيئات) ذهب جمهور المتأولين من الصحابة والتابعين [رضي الله عنهم أجمعين (1)] إلى أن الحسنات هاهنا هي الصلوات الخمس وقال مجاهد: الحسنات قول الرجل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، قال ابن عطية: وهذا على جهة المثال في الحسنات، والذي يظهر أن اللفظ عام في الحسنات خاص في السيئات، لقوله صلى الله عليه وسلم: " ما اجتنبت الكبائر ".
قلت: سبب النزول يعضد قول الجمهور، نزلت في رجل من الأنصار، قيل: هو أبو اليسر بن عمرو. وقيل: اسمه عباد، خلا بامرأة فقبلها وتلذذ بها فيما دون الفرج. روى